تحية.. للشيخ حسن الصفار

لا تربطني بالشيخ حسن الصفار أي علاقة، فمعرفتي به محدودة جداً، فأنا لا أعرفه إلا من خلال كلماته وخطاباته وبعض نشاطاته وكتاباته، والتي لا أخفي إعجابي بها، على الرغم من كوني لم ألتقي به حتى الآن ولو مصادفةً، فإن كنت أعرف الشيخ الصفار فمعرفتي به لا تتعدى كونها معرفة عن بعد.. معرفة من لم يحتك به ومن لم يخالطه ويتداخل معه.. أعرف عنه أنه من أكثر الشخصيات المختلف حولها في مجتمعنا، فهناك تباين وانقسام واضح في وجهات النظر حوله، ما بين مبارك له جهوده ونشاطاته، وما بين رافض لها ومشكك فيها.

في الحقيقة لا أنوي أن أخوض المعارك معه أو ضده، فهذا الموضوع شائك وسيدخلنا في متاهات نحن في غنى عنها فضلاً عن كونها لا تهمني، فليس من شأني أن ألعب دور القاضي لأرجح كفة هذا الطرف على ذاك أو هذه الفكرة على تلك، لأخرج بعدها بنتيجة الإدانة أو البراءة، فنحن لسنا في محكمة، كما أعترف بأنني غير قادر على تقمص دور القاضي حتى ولو سعيت جاهداً.. وكيف يتسنى لأحد أن يحاسب أو يحاكم أحد على نواياه ويصل في حكمه إلى درجة اليقين!

لذا ما يهمني هو الجانب التنظيمي والحياة الإدارية للشيخ الصفار، والذي أعتقد بأنه لا يخفى على أحد من المهتمين به أو بموضوعه، ما يعجبني فيه هو ممارسته للعمل المؤسساتي المنظم البعيد عن التخبط العشوائي، كما هي حال غالبية الأعمال الفردية التي يتمسك بها إلى الآن الكثير من رجال الدين في مجتمعاتنا.. وما دفعني وشجعني على تناول هذا الموضوع هو ما أعلن عنه مؤخراً من قيام مكتب الشيخ الصفار بإحتفالية لعرض نشاطاته وأعماله التي قام بها خلال سنة والتي حضر فيها ما يناهز الألف شخص كما جاء في الإعلان.

إن هذه المبادرة تحسب للشيخ الصفار، فهي عمل ضخم يستحق الثناء والإطراء والإعجاب والتقدير، لأنه عمل سباق ورائد قد لا نشهد له مثيل حتى على مستوى المرجعيات الدينية، وحري برجال الدين أن يحذوا حذوه ويتبعوا نفس طريقته في هذا الأمر.. فكم نحن محتاجون للتنظيم وللعمل المؤسساتي؟ وكم نحن محتاجون للشفافية وللوضوح في نشاطات رجال الدين وبالخصوص فيما يتعلق بالإيرادات والمصروفات من الأموال والحقوق الشرعية؟؟ وذلك لكي تطمئن قلوبنا وتسكن خواطرنا، فإلى متى هذه الضبابية والغموض الذي يكتنف تصرفات الكثير من رجال الدين؟! وما هو المانع الذي يحول بينهم وبين عدم تبيينهم وكشفهم لنتائج أعمالهم (إيراداتهم ومصروفاتهم)؟!

هذه الإستفهامات منذ فترة ليست بالقليلة وهي لم تفارق ذاكرتي فهي تصول وتجول في خاطري دون أن أصل بها إلى نهاية أو أجد لها حلاً أو سبباً مقنعاً.. وما يؤسفني أن بعض الوكلاء عن المرجعيات الدينية لديه حساسية مفرطة عند التحدث معه حول هذا الشأن، لدرجة قد يفقد فيها أعصابه وتوازنه.. فهو يرفض الكشف عن إيراداته ومصروفاته، ويعد أن أي تساؤل عنها هو تدخل فيما لا يعني السائل، إذ يعد ذلك إهانة له وتشكيكاً في أمانته ونزاهته.. ولا أدري لماذا كل هذا التشنج إذا كان فعلاً واثقاً في نفسه وفي حسن إدارته وطريقة صرفه؟

على أنه لا يوجد أي تنافي بين سؤال رجل الدين عن إيراداته ومصروفاته من الأموال والحقوق الشرعية التي تقع بين يديه وتحت تصرفه مع الثقة فيه وفي نزاهته، فأحياناً يكون سؤال الشخص ليس من باب الشك أو التشكيك في رجال الدين، وإنما لكي يعزز ويدعم ما في نفسه من ثقة (من باب ليطمئن قلبي) أو قد يكون ذلك لكي يثبت لغيره من المتسائلين أو المشككين..

وأحياناً أخرى يكون الشخص السائل واثق أتم الثقة برجل الدين، ولا يداخله أدنى شك، فهو واثق بأن يده -أي رجل الدين- لن تمتد للأخماس وللحقوق الشرعية لأموره أو لمصالحه الشخصية، ولكنه قد تكون لدية تساؤلات حول الطريقة التي يتم بها صرف هذه الأموال وإدارتها.. وأعتقد بأن هذه التساؤلات مشروعة ولا إشكال فيها.

إن التساؤلات حول طريقة صرف الوكلاء لأموال الخمس تمثل هاجساً مقلقاً حتى لدى الكثير من رجال الدين، ولقد سمعت عدة مرات منهم وعن بعضهم شكواه أو تشكيكاته الجريئة والتي لا يتجرأ عليها عموم الناس في العادة من الطريقة التي تتم بها صرف هذه الأموال من قبل الوكلاء، بل إن بعض الوكلاء أنفسهم لا يتورعون في التشكيك في بعضهم البعض، فنجدهم يُشكلون على غيرهم ويشككون في شرعية صرفه وإدارته لأموال الخمس، ولقد سمعت بأذني من أحد الوكلاء قوله في محضر مجموعة من الأشخاص: إن تصرفات الوكيل الفلاني في صرف أموال الخمس لا تخلو من إشكال، مع أنهما كلاهما وكيلين لنفس المرجعية الدينية.. فإذا كان هذا هو حال رجال الدين والوكلاء منهم.. فكيف يلام غيرهم ولا يقبل منه؟!

قصة.. التقوى العجيبة!

سمعت أحد وكلاء بعض المرجعيات الدينية وهو يتحدث قائلاً: أنني لا أعطي أحداً من أموال الخمس التي أجمعها إذا كنت لا أعرفه، فإذا جاءني أحد يطلب مني مساعدة من هذه الأموال وأنا لا أعرفه، فإنني سوف أرفض تقديم المساعدة له، لأنني لا أعطي إلا من أعرفهم من باب الحرص على الأموال والحقوق الشرعية ومن باب الحيطة والحذر والتقوى والورع..

لقد هالني هذا الكلام عندما سمعته، إذ كيف يصرح بأنه لا يعطي من الحقوق الشرعية إلا لمن يعرفهم؟! ولماذا يا ترى يؤثر الراحة ولا يكلف نفسه على الأقل جهد البحث والتقصي عنهم للتأكد من حالتهم؟! وهل يعد حرمان المحتاجين -على فرض حاجة السائل- من الحقوق الشرعية بهذه الحجة أمر شرعي؟ وهل يعد ذلك فعلاً من باب الحيطة والحذر والتقوى والورع؟!

لعلي لا أبالغ إذ قلت أن بعض الوكلاء يتصرفون بالحقوق الشرعية بنظام مشابه للوساطات والمحسوبيات التي تتم بين الناس في شئونهم الحياتيه المختلفة، فنلاحظ مثلاً أن طلبة العلوم الدينية الذين لديهم علاقات واسعة مع الوكلاء أحوالهم أفضل بكثير من غيرهم من محدودي أو معدومي العلاقة والصلة.. ولا أدري هل أن هذا أيضاً يتم من باب التقوى والورع والحيطة والحذر في صرف الأموال؟!

إننا بصراحة بحاجة إلى معرفة المعلومات التفصيلية عن إجمالي الإيرادات والمصروفات من أموال الحقوق الشرعية التي يجمعها الوكلاء، كما نحتاج أيضاً إلى معرفة أين وكيف ومتى ولما ولمن تصرف؟

فلماذا يا ترى يصر الكثير من الوكلاء على إتباع الطرق التقليدية في إدارة الأموال والحقوق الشرعية؟! ولماذا لا يتم الاستفادة من نتاج العلوم الحديثة في هذا الشأن، كالعلوم الإدارية وبالخصوص في المجال المحاسبي، وذلك لإعداد القوائم المالية التي تبين وتظهر إجمالي الإيرادات والمصروفات بأسلوب علمي حديث ومنظم؟!

وقد لا أكون مبالغاً لو قلت بأننا لا نرى شيئاً يذكر من آثار صرف أموال الخمس خارج نطاق الحوزة العلمية وطلبة العلوم الدينية! وكم سمعنا عن بعض المسؤلين في الجمعيات الخيرية وهم يتشكون من بعض الوكلاء لأنهم لا يتعاونون معهم ويرفضون دعمهم لتغطية النفقات التي يحتاجها الفقراء والمساكين الذين تشرف عليهم هذه الجمعيات.. فمصرفات الجمعيات الخيرية مقتصرةً في الأعم الأغلب على الصدقات والتبرعات التي يجود بها المتبرعون، إذ لا يتم الصرف عليها من الحقوق والأموال الشرعية التي بحوزة الوكلاء كما يعتقد البعض.. فإذا كان الحال هو هذا، فأين وكيف ولمن تصرف أموال الخمس والحقوق الشرعية خارج نطاق الحوزة العلمية وطلبة العلوم الدينية؟!

إن ما يحزنني هي السذاجة التي يتمتع بها بعض أفراء المجتمع، فعند سماعه بهذه التساؤلات يتطاير منه شرار الغضب ولا يقبل بطرحها، لأنه يراها تشكيكاً في رجال الدين، ولهذا نقل عن بعضهم قوله: لا يحق لنا سؤال سماحة العلامة عن مصروفاته، ولا يحق لنا مطالبته بالكشف عن ما لديه من حقوق شرعية، كما لا يحق لنا أيضاً أن نتساءل أو أن نطالبه في تبيين وكشف طريقة صرفها وإدارتها..!

أقول لهؤلاء المساكين لنفترض أن هذه التساؤلات هي فعلاً تشكك في رجال الدين، ولكن يا ترى هل أن كتمانها وعدم إعلانها سيزيد الثقة بهم؟! فإذا كانت هذه التساؤلات تشكك في نزاهتهم -أي رجال الدين- فإن الاستجابة لها سيكون له دوراً معاكساً إذ أن كشف وإظهار وإعلان ما تحتويه قوائمهم المالية من مصادر الإيرادات ومواضع المصروفات سيزيد وسيضاعف الثقة بهم وبنزاهتهم، لأنه من شأن الشفافية والوضوح أن تخلق وتعزز الثقة أكثر فأكثر.

للأسف أن بعض الوكلاء يتعامل مع الوكالة التي يحصل عليها من المرجعية الدينية بنفس الطريقة التي يتعامل معها بعض الحكام والملوك مع عروشهم، فهو لن يتخلى عنها مهما كان، حتى وإن أدرك في نفسه عدم قدرته وكفاءته على إدارتها بفعالية.. بل لن يتخلى عنها حتى ولو ثارت حوله الشكوك أو الإشاعات التي تشكك في نزاهته أو في صحة إدارته وشرعية تصرفه!

ومن الغريب حقاً أن بعض الوكلاء تثار حولهم كثيراً من الشكوك والإشاعات وهو لا يزال متمسك بوكالته و(بمنصبه)، ومن المفترض عليه حتى ولو كان ما يثار حوله كذباً وزوراً أن يتخلى عن هذا الأمر ويتركه لغيره، لأنه غير مجبور عليه أو أن يحاول ويسعى في سبيل ذلك على الأقل.. فلماذا يتحمل كلام الناس الجارح والمؤلم والمليء بالقسوة؟! أم أنه يرى أن الدنيا عجزت عن أن تجد له بديلاً يكون أكفأ منه في القيام بهذه المسؤوليات؟! ويا ليته عندما يقرر الاستمرار في تحمل هذه المسؤولية الكبيرة أو عندما لا يفكر بالتخلي عنها، يفكر على الأقل في تغيير طريقته وأسلوبه ويبتعد عن الغموض والضبابية التي تكتنف تصرفاته..

ختاماً أقول: إن رجال الدين بوجه عام والوكلاء منهم على وجه الخصوص بحاجة إلى إعادة النظر في طريقتهم في العمل، فعليهم أن يمارسوا أعمالهم بشكل حديث يناسب هذا العصر، بأسلوب المؤسسات المنظمة لا بالتخبط العشوائي والممارسات الفردية، فقد أثبت هذا العمل فعاليته وكفاءته في العلوم الإدارية وفي الواقع العملي، فكم يحتاج رجال الدين عندنا للاستفادة من تجربة الشيخ الصفار في هذا المجال.

26/3/2010م
القطيف