ملاحظات عابرة على قراءة الأستاذ حمزة الحسن «تجربة العمل الوجهائي»

الكتابة عن الحركة الوطنية وعملية تأريخها هي على درجة كبيرة من التعقيد والخطورة بسبب الظروف السياسية المحيطة واستمرار القمع السياسي وغياب كامل للحريات الديمقراطية. فالتاريخ وكتابته لا يمكن له أن يكون أقرب للحقيقة والمصداقية إلا إذا توفرت له ظروف الطمأنينة والاستقرار السياسي الديمقراطي والحر.

لقد اطلعت على بعض حلقات الكاتب والباحث والسياسي الدكتور/ حمزة الحسن الخاصة بقراءته "في تجربة العمل الوجهائي" المنشور على مواقع الأنترنت وما يهمني في هذا الجانب حديثه عن حل الحركة الإصلاحية وما أسماه بـ" ذبح الحركة " في أواخر عام 1993 م ووضع اللائمة الأساسية على الشيخ /حسن الصفار باعتباره المسئول الأول في التنظيم.

وكمتابع من خارج الحركة فكراً وتنظيماً وجدت من خلال السرد التاريخي للكاتب / الدكتور حمزة الحسن لموضوعه الهام، والحساس، أن أسجل بعض الملاحظات من باب اختصاصي في النظم السياسية في مسارها التاريخي وتطبيقاتها في ظل ظروفها الموضوعية والذاتية.

في رأيي أن الشيخ حسن الصفار بقراره التاريخي وتبنيه لفكرة "حل التنظيم" قد وضع نفسه في موقع المسئولية المتناهية الخطورة وهو في هذا المفصل التاريخي لحركته المناضلة يتخذ القرار الصائب والجريء في الزمان والمكان المناسبين وكأنه كان يقرأ التاريخ قراءة عميقة ويستشرف المستقبل برؤيا ثاقبة ودقيقة مما دفعه لأن يضع تاريخه السياسي والنضالي على محك التقييم والمساءلة والنقد والتحليل.

باعتقادي أن قرار "حل تنظيم «منظمة الثورة الإسلامية» التي تشكلت في عام 1980 م والتي تحولت إلى مسمى "الحركة التصحيحية" لاحقاً، كان قراراً صائباً وإيجابياً في نفس الوقت وذلك للأسباب التالية:

• أن تسمية التنظيم لم تكن واقعية وبالتالي برنامجها السياسي لم يعكس الواقع أو يلبي أو يتناسب والواقع السياسي والاجتماعي للبلد. فتحرير الوطن عبر العنف والكفاح المسلح كما عبر عنه شعار التنظيم «الكلاشنكوف المنطلق من الحرم نحو التحرير» وتسمية المنظمة بالثورية والتي تعني التغيير الجذري للنظام كان يعكس تطرفاً سياسياً، ربما مغرياً وجذاباً في البداية لكنه قاتلاً في النهاية.

وتغيير المسمى في اللحظات الأخيرة إلى الحركة الإصلاحية لم يقدم أو يؤخر في تحديد هوية التنظيم نفسه بسبب استمرارية الواقع السياسي والتنظيمي للحركة.وبالمناسبة جميع القوى الوطنية في السعودية وقعت في نفس هذا الخطأ الجسيم والقاتل فكانت تنظيمات في تأطيرها السياسي والفكري لا تنتمي إلى جذور الوطن، لا من حيث التسمية ولا من حيث البرنامج السياسي إلا في جزءٍ يسير من المطالب والأهداف والشعارات، ابتداءً من التنظيمات الناصرية والقومية من بعث اليمين منه واليسار وأحزاب العمل والشعبية والديمقراطية والشيوعية الصينية منها والسوفيتية. ونتيجة للطوباوية السياسية وقصور الرؤيا والتطرف والاندفاع وسوء قراءة الواقع دفع بجميع القوى السياسية إلى حركة هرمية اختصرت التاريخ في النشوء والترعرع والمأزق والانتهاء والسقوط وفي سبيل ذلك راحت ضحية تلك الرؤى الخاطئة العشرات بل المئات من خيرة أبناء الشعب بين تشرد واعتقال وسجن واستشهاد.إذ كان الانتماء إلى التنظيمات السياسية تبدأ برؤية وطنية لدى المناضل ووجهة نظر تسعى إلى التغيير وبعد ذلك يكتشف نفسه منتمياً لإحدى التنظيمات الفاعلة دون النظر والتمعن في البرنامج السياسي لهذه الحركة أو دون استيعاب برنامجها السياسي والاجتماعي والاقتصادي ودون أخذ الظروف الذاتية والموضوعية لتطور البلد في الاعتبار ومحاكاة الخارج في كل شيء دون ملموسية واقعية لهذه المحاكاة العمياء.

• انتهاج سياسة خاطئة عبر إرسال معظم أعضاء التنظيم إلى الخارج للدراسة أوالتدريب وبالتالي إبقاء المئات في الخارج تحت ظروف قاسية تسوء بالتدريج. إنها الجانب الإنساني المؤلم الذي يفرز مع الزمن المآسي والمشاكل مما يدفع بالتنظيم إلى الدخول في أتون الصراعات الحزبية أساسها المشاكل الشخصية والمعاناة القاسية التي يفرزها الاغتراب ومشاكله التافهة بالجوهر الكبيرة بحجمها تختلف من مناضل إلى آخر في القدرة على تجاوزها أو تداركها وفهمها.ومع طول السنين في الاغتراب السياسي ينشغل المناضل بهمومه الشخصية والعائلية خاصة بالنسبة لفئات العموم من المناضلين والكوادر البسيطة. وبفعل ارتفاع تكاليف المعيشة المتصاعد دوماً تصبح هذه الجموع من المناضلين عبئاً ثقيلاً على التنظيم لمحدودية الدعم المادي كما تلعب الفروقات المادية بين هذا المناضل وذاك سبباً في تنامي الكراهية بينهم.

لقد أثبتت تجارب جميع الأحزاب التي اضطرت لمغادرة أوطانها والعيش في المنافي القاسية وعندما يكون الجسم الأساسي للتنظيم يعيش في خارج الوطن تصبح هذه التنظيمات مع الزمن أكثر عرضة للتفسخ والتناقضات والصراعات الحزبية.

برأي لقد امتلك الشيخ حسن الصفار شجاعة متناهية في اتخاذ قرار حل التنظيم وأضاف لنفسه صفحة مضيئة في تاريخه النضالي والقيادي وترك للأوضاع والظروف الذاتية والموضوعية تفعل فعلها مقتنعاً أن لا أحد ينكر أهمية العمل في الخارج لمن استطاع إليه سبيلا كما سجل له التاريخ من قبل رفضه في الثمانينات من القرن الماضي إتباع الكفاح المسلح واستخدام العنف أسلوبا للتغيير في بلاده مما اضطره إلى مغادرة الأراضي الإيرانية وتغيير منفاه آنذاك.

فعلاً كما يقال فإن النضال السلمي، في معظم الحالات،أصعب آلاف المرات من العنف والكفاح المسلح لما فيه من استحداث الطرق والأساليب النضالية والإبداع المتنوع بقليل من الضحايا والخسائر.وقد أثبت سماحته أنه أهل لهذه المهمة الوطنية المتمثلة في النضال بكل هوادة من أجل التغيير وإلغاء التفرقة الطائفية والمذهبية والمناطقية والفكرية وصولاً لتحقيق دولة القانون والمؤسسات.

12/8/2009م
ماجستير في الحقوق - القطيف