أعن الشيخ واستغن عن نقده
صلاة الجمعة مناسبة دينية عامة, أيام الأعياد مناسبات دينية واجتماعية عامة،أيام الحج التي لا نزال في شهرها المبارك مناسبة دينية ضخمة وعامة.
في كل هذه المناسبات لنا توجيهاتنا الدينية والاجتماعية والثقافية والحياتية وآلاف الناس يقصدون بركة المناسبة ،ويتهيأون للاستفادة من تعاليمها وتوجيهاتها ويهيئون أنفسهم للتتلمذ من خلالها .
تتيح نوعية الاهتمام والتوفيقات لطلاب العلوم الدينية أن يكونوا المتحدثين والموجهين والمتصدين والمتصدرين في أمثال هذه المناسبات الكريمة.
أتحدث ويتحدث أمثالي في مثل هذه المناسبات حتى نتعب ونُتعب الآخرين، وما أن ننتهي حتى يتفرق الجمع الغفير، أحدهم يصل إلى رفاقه في الديوانية، وآخر يلتقي مع أولاده، وثالث ينتظره عمله حيث الصحب والأصدقاء، وهناك تبدأ انطباعات الناس حول الخطيب أو الموجه أو الداعية أو الإمام، لا مشاحة في الألفاظ فيمكنك عزيزي القارئ أن تسترسل معي في مقصدي الذي أرجو أن أوفق إليه.
تسود غالبية الناس حالة من الرضا والقبول بما يعرضه الموجه داعين له بالخير والتوفيق والصلاح، وشاكرين لمسعاه وتعبه وجهده الذي صرفه لوجه الله.
وينبري آخرون نحملهم على محمل الخير والمحبة فيرفعون راية النقد وإبراز السلبيات في الخطاب، فهو قديم لا جديد فيه، ومكرر لا روح فيه، وجاف ويابس ومتحجر إلى آخر المعزوفة.
لهؤلاء الحق جميعا في النقد وإبداء وجهات النظر، والتفكر والتأمل في كل ما يقال لهم ويطلب منهم، في أي شأن من شئون دينهم ودنياهم، مع الاحتفاظ للخطيب والموجه برده ووجهة نظره.
أود هنا أن أدعو المنتقدين محبا ومحترما لوجهة نظرهم أن يصرفوا بعض الوقت والجهد ليفكروا كيف يعينون الشيخ أو الخطيب أو الموجه، ويأخذوا بيده نحو خطاب أكثر فائدة وروح وعطاء من خطابه المنتَقَد، ولدي بعض المقترحات أجعلها بين يديك أخي القارئ وهي بدورها قابلة للنقد والتطوير:
1/ أخذ زمام المبادرة من قبل مجموعة من المثقفين والواعين للتوافق مع الموجه أو الخطيب على ساعات معينة يتم فيها تبادل وجهات النظر بينه وبينهم حول الموضوع المناسب للعرض في هذه المناسبة أو تلك، بما في ذلك الحديث عن عناصر الموضوع الذي يقترحونه ، وربما الأسلوب الأنجع لعرضه ومشافهة الناس به، على أن تكون هذه مقترحات يرى الخطيب أو الشيخ فيها رأيه، بتطعيمها وتقليمها وكذلك اختيار الأسلوب والطريقة الأسلم لعرضها على جمهور المناسبة.
لقد تشعبت العلوم وتعددت التخصصات، ولم يعد الفرد الواحد مهما كانت طاقته كفاءته قادرا على العطاء في مختلف الأمور والقضايا بنَفَس يرضي الجميع، فكلما تجمعت العقول وتلاقحت الأفكار وتلاقت الآراء كان الخطاب التوجيهي متقدما نحو النجاح والتمييز.
2/ لعل أغلب أفكار الإنسان وآرائه هي نتاج لما يقرأه ويسمعه ويتناقش فيه، واعتماد أسلوب إيصال الكتاب المفيد والقيم والحديث لمن يمارسون دور التوجيه والإرشاد هو من أفضل الطرق المساعدة في الاطلاع على ما يقرأ الناس وعلى ما يفكرون به ويكتبون حوله.
إنها طريقة جميلة في توفير مدخلات من نوع آخر ينتظر المبادر بإيصالها أن يسمعها ويتلقاها في مخرجات هذا الخطيب أو الموجه أثناء قيامه بواجبه وخدمته لمجتمعه.
أحيانا يكون الواحد منا قد ألف كتبا معينة يركن إليها أثناء تحضيره ،أو يستسيغ أسلوبا معينا في طريقة عرضه، وفي اعتقادي سيكون توفير أي مادة أخرى شريطة أن تكون مرضية دينيا واجتماعيا عاملا مساعدا في التجديد التطوير الحكيم والمقبول، وسيلحظ الموجه أن تطويره عاد عليه بإقبال الناس ورضاهم.
3/ توجد في المجتمع مراكز متخصصة تعنى بالأسرة، وأخرى في الجمعيات الخيرية تعنى بالأيتام، وثالثة تعنى بشؤون التعليم والتطوير، ورابعة بمكافحة المخدرات، ولا ريب،أن دعوة هذه المؤسسات للموجهين والخطباء تثري معلوماتهم وتفتح أذهانهم على أمور لم يكونوا في تفاصيلها الدقيقة وإن كانوا في مجرياتها العامة.
إن حديث المتخصص الذي يعيش الفكرة في أعماقه ويتابع تفاصيلها يوميا مع الناس بإمكانه أن يوصل رسالته إلى الخطباء والموجهين منطلقا من محبته للمجتمع وبحثه عن الطريق الأنسب لوصول رؤاه وأفكاره إليهم.