الشيخ الصفار: القرضاوي اعتمد على مصادر خاطئة


على هامش المؤتمر الدولي لتكريم العلامة السيد مرتضى العسكري في طهران أجرت وكالة الأنباء القرآنية العالمية (IQNA) حوارا خاصا مع الشيخ حسن الصفار رجل الدين السعودي البارز  وامام جمعة القطيف، تطرق فيه الشيخ إلى التداعيات السلبية لتصريحات القرضاوي على الساحة الاسلامية مؤكدا أنه اعتمد على المصادر الخطأ.

بداية كيف قيمتم مؤتمر تكريم العلامة العسكري خاصة الكلمات والمحاضرات التي ألقيت؟

- في البداية أشكر الجهة المنظمة للمؤتمر المجمع العالمي لأهل البيت على هذه المبادرة الكريمة فالعلامة العسكري يستحق التكريم ويستحق الاشادة والساحة الإسلامية تستفيد من إحياء ذكراه وإحياء شخصيته لما كان يمثله من دور كبير في الساحة الإسلامية.

أعتقد أن المؤتمر مع أنه مؤتمر جيد ولكنه ليس بمستوى هذه الشخصية الكريمة والعظيمة.من الممكن أن يكون مؤتمراً أفضل لو اتيحت له فرصة إعداد أكبر ولكن يبدو أن ضيق الوقت و وجود شهر رمضان الكريم التي عادة ما يمنع الكثيرين من التنقل والسفر والحركة هو الذي جعل المؤتمر في هذا المستوى ونأمل أن يكون في المستقبل على مستوى أكبر وأفضل إنشاءالله.

أشرتم في كلماتكم أن العلامة العسكري كان عاملاً للوحدة الإسلامية بينما هو كان دوماً في حالة صراع مع آراء إخواننا من أهل السنة خاصة في بعض كتبه كعبدالله بن سبأ والصحابة المختلقة. هل تعتقدون أن هذا الشيء يتوافق ويتلائم؟

- بالنسبة للوحدة هناك نظرتان للوحدة.هناك نظرة ترى أن الوحدة يعني أن يندمج بعض المسلمين في بعضهم الآخر فلا يكون هناك خصوصيات مذهبية ولا يكون هناك تميز بين المذاهب والمدارس وإنما ينبغي أن يصبح الشيعة شبيهين للسنة أو أن يكون السنة شبيهين للشيعة وبذلك تتحقق الوحدة وقد يبالغ بعضهم في القول أنه لا يمكن الوحدة بين المسلمين إلا إذا انتهت الحالة المذهبية وأصبح الجميع ضمن مذهب واحد وهذا ما يعبر عنه بعض السلفيين بالقول أنه لا يمكن أن تتحد الأمة إلا إذا اجتمعت على الكتاب والسنة ضمن أهل السنة والجماعة. يعني أن تتخلى كل المدارس والمذاهب عن آرائهم ويصبحوا ضمن المدرسة السلفية حتى تتحقق الوحدة.في المقابل هناك أيضاً بعض الشيعة قد يرى أن الأمة لا تتوحد إلا إذا اجتمعت على منهج أهل البيت ي مدرسة الشيعة والتشيع.

هذه النظرة يبدو أنها ليست نظرة واقعية لأن هذه المذاهب والمدارس كل لها أدلتها ولها حججها ومن الصعوبة من المكان أن تذوب في بعضها أو تندمج في بعضها.ستبقى كل مدرسة ومذهب محافظة على خصوصيتها و ميزاتها.

النظرة الأخرى للوحدة هي أن يبقى أهل كل مذهب علي مذهبهم وعلى رأيهم ولكن يجب أن يتحقق أمران،الأمر الأول الاحترام المتبادل فيما بينهم، بمنع الإساءات. يعني أن يكون هناك تعايش في ما بينهم وأن لا تكن هناك إساءة من كل طرف للآخر،هذا أولاً والأمر الثاني أن يتعاونوا في الأشياء المشتركة فهناك قضايا كثيرة مشتركة بين المذاهب الإسلامية وموارد خلاف.

هناك مصالح كبيرة مشتركة بين المسلمين وأعداء مشتركون للمسلمين وتحديات مشتركة أمام المسلمين.فالوحدة هي بهذه المعنى. بمعنى أن يكون إحترام متبادل وأن لا يسيء كل طرف للآخر ثم أن يتعاونوا في الأشياء التي يتفقون عليها ويشتركون فيها وهي مساحات واسعة ومناطق كبيرة جداً.أنا أعتقد أن الوحدة المطلوبة بهذا المعنى الثاني وليس بالمعنى الأول.

العلامة العسكري أيضاً كما يبدو لي يؤمن بالوحدة ضمن النظرية الثانية وهي تستلزم أن يتعرف المسلمون على بعضهم البعض.لأن عدم القدرة على التعايش وعدم الإحترام وإساءة التعامل بين المسلمين من أهم أسبابها الجهل.كل طرف يجهل الآخر وهناك سوء ظن واعتماد على أقاويل غير صحيحة وهناك عدم فهم لمبررات وأدلة كل طرف على آرائه ومواقفه.

العلامة السيد العسكريالعلامة العسكري والمصلحون الوحدويون يرون أن من الضرورة أن يكون هناك تعارف بين المسلمين فيجب أن يكون كل واحد صريح في رأيه وأيضاً أن يعبر عن وجهة نظره وهذا الأمر يخدم ثراء المعرفة في الإسلام حتى يكون إثراء في المعارف الإسلامية لأن كل طرف يعطي أقصى ما لديه من الوعي ومن الفهم ومن المعرفة.

والعلامة العسكري شرح مدرسة أهل البيت وقدمها أمام الطرف الآخر بأدب واحترام لم يكن فية إساءة للطرف الآخر بل ينقل ري الطرف الآخر بأمانة في كتابه معالم المدرستين يتحدث عن مدرسة أهل السنة التي أطلق عليها اسم مدرسة الخلفاء يتحدث عنها بموضوعية.ي أنه يأخذ آراء من مصادرهم و يذكر أدلتهم وفي المقابل يعرض أدلة مدرسة أهل البيت ويجري مقارنة بين المدرستين.

أنا أعتقد أن هذا يخدم الوحدة وأن المطلوب من العالم السني أن يطرح ري مدرسته السنية وأن يدافع عن ذلك الري بأقصى ما لديه ولا يسيء للشيعة وكذلك العالم الشيعيء يطرح ري المدرسة الشيعية بأقصى ما لديه وبأقوى الأدلة التي يمتلكها وبالتالي هذا يثري المعرفة الإسلامية ويترك الفرصة أمام المسلمين حتى يفكروا تفكيراً موضوعياً. يرون أدلة هذا الري وأدلة ذلك الري وبالتالي يجب أن تكون هناك حرية فكرية وهناك تقويم موضوعي للآراء والمواقف.

كما تعلمون أن العلامة العسكري كان نبراساً في مجال الدراسات والعلوم القرآنية. برأيكم كيف استطاع العلامة العسكري الاستفادة من القرآن بشكل صحيح لإبراز الرؤية والفكرة الأصيلة لمدرسة أهل البيت؟

-أكثر من عالم من علمائنا في هذا العصر كان لهم دور جيد في تفسير القرآن وخدمة المعارف القرآنية وفي طليعتهم السيد الطباطبائي في الميزان.فتفسير الميزان يعتبر من أهم تفاسير القرآن في هذا العصر وقد اعترف له بذلك حتى بعض الباحثين من السلفيين.الدكتور فهد بن عبدالله الرومي له كتاب حول اتجاهات التفسير في القرن الرابع العشر وتحدث عن تفسير الميزان بإشادة وأشاد بمستواه وإن كان اعترض عليه في توجهاته الشيعية المذهبية لكنه أشاد بمستوى الفلسفي والفكري والعلمي العميق في تفسير الميزان. وأيضاً عندنا العلامة الشيخ محمد هادي معرفة الذي خدم المعارف القرآنية بشكل جيد ورائع. أما العلامة العسكري رحمة الله عليه كان من هؤلاء الرواد الذين خدموا المعارف القرآنية.

ميزة العلامة العسكري تكمن في تفكيره الحر. فإنه مثلاً يعرض الآية التي يريد مناقشتها والإستدلال بها دون أن يرى نفسه مقيداً بآراء المفسرين السابقين وإنما هو يتفكر في الآية الكريمة ومن سياق الآيات الكريمة وتفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنة النبوية تفوّق في طرح كثير من المعارف القرآنية والمهم في السيد العسكري أنه تحدث عن القرآن الكريم ضمن الأحاديث والروايات الواردة عند المدرستين:مدرسة أهل البيت عليهم السلام ومدرسة أهل السنة التي يطلق عليها اسم مدرسة الخلفاء وهنا كانت له وقفة مهمة جداً حول روايات تحريف القرآن الواردة في بعض المصادر الشيعية فالسيد العسكري حاكم هذه الروايات محاكمة جيدة على ضوء علم الرجال وعلم الدراية والرواية وعلى ضوء مفاد الآيات القرآنية الشريفة وأكد على ما يراه أكثر علماء الشيعة بأن القرآن مصان عن التحريف وأنه كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأن هذه الروايات وإن كانت كثيرة إلا أن معظمها يرجع إلى مصدر واحد و راو واحد و وجد أن ذلك الروي وذلك المصدر مما لا يمكن الاعتماد عليه ولا القبول به وبالتالي فنّد هذا الري الشاذ.

ما هو الدافع الذي دفعكم للرد على تصريحات الشيخ القرضاوي حول الشيعة والمد الشيعي وأنتم من السباقين الذين ردوا على الشيخ القرضاوي؟

- في الواقع أتصور أن ردي على الشيخ كان في محورين.الأمر الأول أن إثارة هذا الموضوع وطرح هذا التصريح من الطبيعي أن يستفاد منه لخلق بلبلة في الساحة الإسلامية وتعميق الجراحات بين أبناء الأمة وبين المذاهب الإسلامية. قد لا يكون الشيخ القرضاوي يقصد ذلك قد يكون قصده أن يكون صريحاً فيما يدور في نفسه من قلق وهواجس وما يعتبره أخطاء عند بعض الأطراف الشيعية ولكن الأجواء التي تعيشه الأمة وما يحيط بالأمة من مؤامرات الأعداء من الطبيعي أن يتحول فيها مثل هذا الكلام إلى ما يثير الفتنة والبلبلة ولذلك كنت أتمنى أن الشيخ القرضاوي لم يقع في مثل هذه الهوة ولم يعط هذا المجال للأعداء حتى يستفيدوا من تصريحاته.

سماحة الشيخ الصفارالأمر الثاني هو أن الشيخ القرضاوي يبدو أنه اعتمد على بعض مصادر الخطأ وتضخمت لديه بعض الأشياء ولذلك نحن نجد أن في تصريحاته ما يخالف بعض آراءه السابقة التي طرحها.أنا حضرت له لقاءاً جيداً في مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية في البحرين عندما قدم الشيخ بحثاً جميلاً رائعاً ودافع فيه عن ما يتهم به الشيعة حول تحريف القرآن وحول السجود على التربة الحسينية وحول موارد عديدة دافع فيها وبين نظرة معتدلة حول الشيعة وطبع ذلك في كتاب ولذلك جاءت هذه التصريحات تخالف ما عرفناه وماسمعناه وما قرأناه عن الشيخ القرضاوي.

والشيخ القرضاوي ألف كتباً عديدة ضد التطرف وضد الخلافات الداخلية من قبيل الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم.وكان يذم فيه سوء الظن في الطرف الآخر وتحميل الطرف الآخر لوازم قوله والنقل غيرالصحيح عن الطرف الآخر.كل هذه الامور كان يذكرها ولذلك أن هذا التصريح فيه نقاط ضعف كبيرة جداً كنت أتمنى أن يتجنبه الشيخ القرضاوي.

لكني أيضاً في الرد كنت محافظاً على شخصية الشيخ ومكانة الشيخ وهذا ما أعتقد به. لا يصح لنا أن نسقط شخصية لها مكانة مرموقة وعلينا أن نتعاون من أجل أن لا تسترسل هذه الشخصية في هذا الخطأ. و وجود ردود عنيفة غير موضوعية على الشيخ القرضاوي يتيح للآخرين أن يدفعوا الشيخ القرضاوي في الاتجاه الآخر الذي يخدم توجهاتهم المتعصبة والمتطرفة.

يبدو من كلامكم أنكم لا تعتقدون بمزيد من الردود والإثارة على تصريحات الشيخ القرضاوي؟

- أنا من رأيي أن الموضوع لا ينبغي أن يعطى أكبر من حجمه وأن الضجة التي صنعت حول التصريح أفادت الأعداء. كان يمكن معالجة الموضوع بأقل من هذه الضجة التي أثيرت من الجانبين و اعتقد أن هناك بعض الأطراف وجدتها فرصة لكي تجعل منها ضجة. وجدت بعض الجهات المتعصبة وبعض الاعلام السياسي الذي يعمل ضد الوحدة الإسلامية في تصريحات الشيخ القرضاوي وفي بعض الردود عليه فرصة لكي تزكي نار الفتنة أكثر ولكي تشغل الساحة الإسلامية بهذه الخلافات.

هل ترون أن مثل هذه التصريحات ستؤثر على العلاقات المتبادلة بين علماء الشيعة والسنة؟

- لا أعتقد أن هذه التصريحات عاصفة من العواصف وزوبعة من الزوابع التي مرت على الساحة الإسلامية أمثالها وإنشاءالله الساحة الإسلامية قادرة على تجاوزها وقد تسبب بعض الخدوش وبعض الآلام النفسية وتثير بعض الأجواء في الساحة نأمل أن تتجاوزها بحكمة العقلاء وبوعي المخلصين.

ما هو موقفكم بالنسبة من بعض آراء المحدث النوري و الشيخ الكليني حول التحريف اللفظي والتحريف المعنوي للقرآن الكريم؟

لقاء الشيخ مع وكالة الأنباء الإيرانية كونا- هذه المسألة ليست من المسائل التي يكون فيها التقليد.التقليد عند الشيعة يكون في المسائل الفقهية الشرعية أما في المسائل العقلية والمسائل الفكرية والتاريخية فمثل هذه المسائل عند الشيعة لا تقبل التقليد وبالتالي فالعلماء والفقهاء من الشيعة لا يلتزمون بآراء فقهاء مضوا مهما كانت مكانتهم وعظمتهم. وما حصل من وجود روايات في بعض المجاميع الحديثية فإن الشيعة لا يعتقدون بأن كل ما ورد في كتاب الكافي هو صحيح. وهنا نختلف نحن الشيعة عن إخواننا السنة الذين لديهم صحيح البخاري وصحيح مسلم ويرون صحة الأحاديث المجموعة فيهما. نحن لا نلتزم بصحة جميع الأحاديث الموجودة في كتاب الكافي بل إن علمائنا حينما تبلورت لديهم معايير الأحاديث وتبلورت لديهم درجاتها رأوا أن ثلث أحاديث الكافي ينطبق عليها معايير الصحة من أصل ما يقارب ستة عشر ألف حديث ي خمسة آلاف حديث فقط يرونها العلماء تندرج ضمن عنوان الصحيح.و هذا ري العلامة المجلسي في كتابه مرآة العقول و هو شرح لأحاديث الكافي.ولذلك وجود أحاديث في الكافي أو الأحاديث التي جمعها المحدث النوري حول تحريف القرآن فإنها لا تلزم الشيعة ولا يعمل بها فقهاء الشيعة.

وكلمتكم الأخيرة؟

- أنا آمل من وكالتكم وهي وكالة الأنباء القرآنية و وسائل الاعلام الإسلامية أن تضع الوحدة الإسلامية نصب عينها وأن لا تقع في الفخ الذي ينصبها الأعداء ضمن فترة وأخرى وأن لا يكون هناك إنسياق خلف بعض التصريحات وخلف بعض الإثارات الطائفية والمذهبية فإن ذلك هو ما يريده الأعداء.

على وسائل إعلامنا الرسالية الإسلامية المخلصة أن تسعى لمواجهة هذه الحالة لتعميق الوعي بالوحدة وبتصويب وتوجيه بوصلة الأمة بالاتجاه الصحيح صوب التحديات والأخطار الرئيسة التي تعانيها الأمة.