الاستقرار السياسي والاجتماعي ضرورته وضماناته

الكتاب: الاستقرار السياسي والاجتماعي ضرورته وضماناته.
الكاتب: الشيخ حسن موسى الصفار.
الناشر: الدار العربية للعلوم.
سنة النشر: ط1، 1426هـ.
الصفحات: 96 صفحة، قطع متوسط .

تمهيد:

يمتاز الشرق الأوسط بثرائه الروحي وعمق تاريخه الديني فمن ربوعه انبثقت الأديان السماوية الكبرى: الإسلام، المسيحية، اليهودية. وهو يحتضن البقاع المقدسة التي يتجه إليها أتباع هذه الديانات من مختلف أنحاء العالم.

ان من أهم أسباب التخلف في منطقة الشر ق الأوسط هو فقدانها للاستقرار السياسي والاجتماعي، حيث تعيش مجتمعاتها حالة مزمنة من الاضطرابات الداخلية، نتيجة لاختلال العلاقات بين أطرافها السياسية والاجتماعية. هذا الخلل في العلاقات السياسية والاجتماعية، أنتج شعورا بالاستعلا، وممارسة الهيمنة عند بعض الأطراف، كما ولد إحساسا بالغبن واندفاعا للمقاومة عند أطراف أخرى.

وتنطبق هذه المعادلة المؤسفة على مختلف ميادين العلاقات في الشرق الأوسط فيما بين حكومات المنطقة، وبين الأنظمة والشعوب، وبين القوميات المتنوعة، والاتجاهات الدينية والسياسية المتعددة في المجتمعات فكيف يمكن معالجة الخلل المزمن في العلاقات القائمة بين أطياف المجتمعات الشرق أوسيطة، على الصعيد السياسي والاجتماعي.

يتناول سماحة الشيخ حسن الصفار   في كتابه الاستقرار السياسي والاجتماعي، موضوع هام، حيث يبدى ببعض الأسئلة والتي يجيب عليها في كتابه. فيقول: ما هي خارطة الطريق الذي سلكته الأمم الأخرى لتحقيق سلمها الاجتماعي واستقرارها السياسي؟

ثم ينتقل إلى السؤال الثاني: كيف يمكن معالجة الخلل المزمن في العلاقات القائمة بين أطراف المجتمعات الشرق أوسطية على الصعيد السياسي والاجتماعي؟ ص11

من هذه الأسئلة ينطلق الكاتب في معالجة الخلل المزمن في العلاقات القائمة بين أطراف المجتمعات الشرق أوسطية كما أشار في هذا الكتاب عن موجبات الاستقرار وضرورته حيث يعرف الاستقرار السياسي فيقول: هو الذي يضع الأمة على طريق الوحدة ويتيح لها فرص التنمية والبناء، ويمكنها من التوجه للتحديات الخارجية. والعكس من ذلك يكون   انعدام الاستقرار ويبقى التطلع للوحدة مجرد شعار وأمنية، وتتلاشى اهتمامات التقدم والبناء وتضعف الأمة أمام مواجهة التحديات. ص15.

ورصد الخلل والاضطراب في العلاقات الداخلية للأمة في أبعاد ثلاثة:

1ـ العلاقة بين الدول الإسلامية.

2ـ العلاقة بين حكومات البلاد الإسلامية وشعوبها.

3ـ العلاقة بين فئات الأمة مع بعضها.

ويقول في العلاقة بين الدول الإسلامية: كانت الأمة تعيش في غالب عهودها السابقة ضمن كيان سياسي واحد، هو دولة الخلاقة الإسلامية، ولكنها منذ قرن من الزمان وبعد سقوط دولة الخلافة، أصبحت تعيش ضمن عدة كيانات سياسية، تمثل الدول القومية القطرية للأمة ص19.

ويتطرق إلى العلاقة بين بين الدول الإسلامية وشعبها إلى هاوية الصراع والنزاع، حيث وقعت حروب مأساوية دامية، كان ضحاياها أبناء الأمة من أطراف النزاع وآخر هذه الحروب ما عانته منقطة الخليج من الحربين الإيرانية العراقية، والعراقية الكويتية.   حال دون حصول أي تقدم حقيقي لوحدة الأمة، وأوقع بها خسائر كبيرة، وأنتج مضاعفات خطيرة ص21.

ويتجه سماحته إلى العلاقة بين فئات الأمة مع بعضها:

 فيقول ان التنوع أصيل وعريق داخل المجتمعات الإسلامية حيث تتعدد الأعراق والقوميات والأديان والمذاهب والتيارات الفكرية والسياسية في ظل العالم الإسلامي، ومع ان الحضارة الإسلامية قدمت في سالف تاريخها أروع صفحات التسامح والتعايش، إلا أن واقع المجتمعات الإسلامية في العصور المتأخرة اخذ يضيق ذرعا بحالة التنوع الطبيعية وأصبحت تعاني من سياسة الإلغاء والإقصاء والتمييز على أساس الدين والمذهب أو القومية ص25.

ومن ثم يناقش قضية التعايش في المجتمعات الإسلامية: حيث تحتاج مجتمعاتنا إلى ثورة ثقافية لجهة الوعي بحقوق الإنسان، وقبول التعددية، واحترام الرأي الآخر، واجتناب أساليب العنف. ويعالج هذه المشكلة ويطرح بعض النقاط ومنها:

1ـ مؤسسات أهلية للسلم الاجتماعي: ان وجود المؤسسات الأهلية، التي تتبنى الدعوة إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي داخل الأمة أمر مطلوب، وبشكل استجابة لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ويقول ان الأمة بحاجة إلى مئات المؤسسات الأهلية، التي تتبنى الدعوة إلى السلم الاجتماعي وتبادل الجهود لإصلاح ذات البين بين مختلف فئات الأمة ص31.

2ـ المشاركة الشعبية ضمانة الاستقرار: ويلخصها في عدة عوامل منها:

1ـ الشورى في الإسلام   ويلخصها في مبدأين:

المبدأ الأول: هو احترام الإرادة الشعبية والاعتراف بسلطة الناس على أنفسهم وأموالهم وحقوقهم.

المبدأ الثاني: الحرص على اكتشاف الرأي الأفضل والأصوب، وذلك يستلزم استنهاض مختلف العقول لتصل إلى أفضل ما يمكن من نضج وصواب ص53.

ثم يتوجه سماحته إلى خطاب التطرف وأثره على الاستقرار والأمن: فيقول كرس هذا الخطاب حالة التشرذم والنزاع داخل الأمة، حين أعطى أولوية مطلقة، وأهمية قصوى، للمسائل الخلافية الجزئية في أمور العقيدة والشريعة، مما فتح باب التكفير والتبديع على مصراعيه، وأنتج هذا الخطاب ثقافة تحريضية تعبوية تنشر الكراهية والعداء بين المسلمين، بمبرر الخلاف المذهبي، أو حتى الخلاف الفكري والفقهي ضمن المذهب الواحد. ويولد هذا عدة أمور منها:

1ـ اضطراب الأمن.

2ـ ضياع الطاقات.

3ـ التنفير من الدين.

وكل هذه العوامل تولد الكراهية ليس فقط بين المذاهب الإسلامية بل تعدت إلى اكبر من ذلك حيث نتج عنها فخ صدام الحضارات الذي كان له الأثر الكبير على التخطيط للهيمنة العالمية في الدول الكبرى ويكون عنوانا للتعبئة التحشيد واستمرارية روح التحدي والمواجهة ومبررا لممارسة دور الزعامة على الصعيد الدولي.

وما مقولة (صدام الحضارات) الا تنظيرا تمهيديا لهذه المعركة الجديدة التي كانوا يخططون لها، وأعانهم مسار التطرف الإسلامي على اختيار الضحية التي يفتشون عنها.

صحيح ان هناك استهدافا في الأساس للأمة ودينها، لكن الصحيح أيضا ان المتطرفين وفروا المبررات والذرائع وأتاحوا الفرص ومكنوا للأعداء وفتحوا الثغرات ص87.

وأخيرا عالج مشكلة الرفق والعنف حيث قال: ان خطاب التطرف، وعنف التعامل، ينفر الناس من الاستجابة لدين الله تعالى، ولو كان الداعي أفضل الرسل والأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، بينما اللين والرفق يجتذب القلوب والنفوس. وهكذا تركز التعاليم الإسلامية على أخلاقية الرفق واللين وتحذر من أضرار التطرف والعنف ص92.

تاروت