مواطن همه الوطن

في حضور مكثف ورائع ضم أطياف مختلفة من أبناء هذاالوطن المعطاء في منزل سماحة الشيخ حسن الصفار ليلة الأربعاء 3/3/1429هـ، كان لي شرف الحضور والاستماع لكلمات المتداخلين حيث عبروا فيها عن ولائهم وانتمائهم لهذا الوطن وولاة أمره كما طالبوا بنشر ثقافة التسامح والانفتاح والإيمان بثقافة الحوار بين مختلف شرائح المجتمع الذي يضمها هذا النسيج الوطني على امتداده الجغرافي وقد أدلى كل بدلوه وهذا شيء جميل يشكر عليه كل فرد منهم ينتمي إلى هذا التراب..

ولكن لماذا لا يكون التطبيق الفعلي على أرض الواقع إلا بطيئا بل ومتعثرا، فمؤتمرات الحوار الوطني على أمتداد سنواتها السابقة وقراراتها لم تشهد بصيص نور يشرق حتى الآن رغم أن الأصوات ترتفع محذرة من مخاطر تحدق بهذا البلد من الداخل والخارج ولكن لا شيء ملموس يأخذ طريقه للتنفيذ.

أن التنظير ومداعبة المشاعر في تلك اللقاءات شيء جميل لكن الأجمل منه هو ترجمة هذه المشاعر إلى أفعال تنعكس آثارها الإيجابية على الجميع بدلا من هذا السكون المريب الذي ينهي تلك القرارات بمجرد مغادرة المجتمعون قاعاتهم..

لقد شدتني بل وأثار انتباهي مداخلة الدكتور توفيق السيف الذي لامس الجرح مباشرة إلينا جميعا أبناء هذه المنطقة، عندما قال تحدثنا عن الوطن الرومانسي ونسينا الوطن المادي- نعم يا دكتور الوطن المادي الذي حُشرنا فيه في زاوية ضيقة وأصبح أبناءنا يحرمون من بعض خيراته فهم يجتهدون ويحصلون على أعلى المستويات الدراسية.

لكن تبقى طرق العمل أمامهم موصودة فهذه الشركات الكبيرة التي تحتل مساحة شاسعة من منطقتهم قد ضيقت حتى سبل العيش أمام الكثير منهم وجعلتهم يصابون بالإحباط عندما يرون غيرهم والأقل منهم كفاءة بل وإخلاصا يتقلدون المناصب ويُقدمون في الوظائف وهم لا ينالون من ذلك شيئا..

إن التنظير عبر الغرف المغلقة لا يجلب حلا ولا يمنح أملا، أننا بحاجة إلى قرار سياسي ينهي هذه المعاناة لنا ويجعلنا نشعر بأننا كمواطنين، أن هذا الوطن منذ تأسيسه على يد المغفور له الملك عبد العزيز كان وطنا للجميع وليس لفئة دون أخرى وقد أثبتت الأيام بأننا أكثر إخلاصا وتفانيا في خدمته وأعمق انتماء وولاء لوطننا وولاة أمرنا فلماذا لا يرى الآخرون الصورة إلا مقلوبة.

عندما جاء الرسول محمد إلى المدينة وكان سكانها حوالي عشرة الآف مواطن بينهم المسلم واليهودي والكافر والحبشي والفارسي والرجل والمرأة وغيرهم فكتب بينهم وثيقة المدينة المشهورة وألزم الجميع بالدفاع عنها والذي نص بندها الأول بحق المواطنة للجميع وجعلت تلك المواطنة بندا أساسيا لا جدال فيه كما نصت الوثيقة على العمل المشترك والحقوق والواجبات ولم يحارب الرسول اليهود إلا بعد أن تأمروا عليه.

هكذا هو الإسلام الذي كفل حقوق الناس بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية وغيرها، أما نحن في العالم العربي فإننا بعيدون كل البعد عن المعاملة التي نادى بها رسول المحبة والتسامح محمد  لكننا شرهون في عمليات التهميش والإقصاء لمن يخالفنا في الرأي..

إننا بحاجة كي نتعلم من الغير ما دمنا قد ابتعدنا عن تعاليم ديننا السمحاء التي نادي بها قبل خمسة عشر قرنا، فنرى الغرب الآن كيف عزز مفهوم المواطنة، وله حق أن يفخر بهذا الإنجاز الحضاري الذي ابتعدنا عنه.

العوامية