هل وصلت رسالتكم ياشيخنا الجليل والحسين ليس شأنا شيعيا فحسب..؟!

حسنا فعل شيخنا الجليل سماحة الشيخ حسن الصفار حين تعرض فى سياق محاضرته مساء الخميس الماضي الى موضوع هام من الموضوعات التى تؤرق الامة الاسلامية، ألا وهو موضوع تجاهل المدرسة السلفية لتراث أهل البيت، وإشارته الى جوانب عديدة من صور التعتيم الثقافى والاعلامي التى تمارس ضد هذه المدرسة، والهادفة لطمس تراثها، ومحاولة إخفاء هذه المعالم النورانية المضيئة لذات المدرسة وهذا التراث والتاريخ المجيد، وهو تاريخ ناصع لصفوة أهل البيت .

وإلى جانب ذلك إشارته بعدم الاعتراف بمذهبهم وتجاهل وإهمال تراثهم وتاريخهم، وكذلك الاستهانة والازدراء والتشكيك فى موثوقية مصادرهم وتراثهم، داعيا سماحته الى أهمية الانفتاح على مدرسة أهل البيت صلوات الله وسلامه على نبينا الاكرم وعليهم جميعا، وخاصة بأنها مدرسة تجمع كل المسلمين.

ولاشك بأن دعوة الشيخ هي دعوة مخلصة صادقة وجادة ترمى إلى لملمة شمل وشتات الامة لتلتقي فيه من جديد على ما يوحدها فى قيمها وتراثها، وخاصة فى مضمار مدرسة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وحتى يكون ذلك منطلقا للحب والتآلف بين أبناء الامة الاسلامية جمعاء وعلى إختلاف مذاهبهم وأطيافهم، وخاصة بعد هذا الانقسام الذى فرق الامة الى شيعا وأحزابا.

وواقعا فقد أثار الشيخ بطرحه لهذه القضية أشجاننا ومشاعرنا ألما وحسرة، وقد ذكرنا فيها بواقع هذه الامة المنقسمة على نفسها حتى فى جانب تراثها وقيمها..

فمن أعجب ما يلمسه المرء للطرف الآخر الذي عرف بجفائه لمدرسة أهل البيت، هو ما يدعيه ويزعمه بتأكيده الدائم وإثارته لقضية حبه لآل البيت، ولكن كما نلمس دون أن يكون هذا القول مقرونا بالعمل، فأي حبا هذا الذي يجمع بين التهميش والتجاهل لعلومهم وفقههم وتراثهم.؟ والذي هو دون شك أوريب هو نفس فقه وتراث رسول الله .

ولاشك أيضا بأن المتتبع لجوانب التراث الاسلامي ومصادره ومدوناته، وخاصة مايتعلق منه بالمدرسة السلفية والسنية بعمومها إلا الناذر منها، المتتبع لذلك يلحظ بوضوح مثير للانتباه والحيرة تجاهل هاتين المدرستين وتهميشهما أيضا لمدرسة أهل البيت جملة وتفصيلا.

واذا كان هذا التقليد الاعمى للمدرستين فى طمس الحقائق قد إمتد وتواصل، ثم تعزز خاصة منذ الحادثة المأساة لشهادة الامام الحسين وأبنائه وأصحابه سلام الله عليهم جميعا، رغم ماحفلت به أيضا عشرات من كتب ومصادر المؤرخين والموثقين لهذه الحادثة وتراث أهل البيت عموما وتناول ذلك بأساليب غير أمينة فى غالبها إلا النذر اليسير منها، بحيث تعكس رؤي السياسات والسلطات الغاشمة، والتى تقوم فى أغلبها على أساس لي عنق الحقائق الثابتة الى مايؤيد ويرجح كفة أهدافهم وغاياتهم.

ولذلك فإن أكثر ماجير أو دون فيها من مدونات وتوثيقات جميعها تعتبر إمتداد طبيعي لنفس المدرسة الاموية التى سادت فيها ظلامة أهل البيت وملاحقتهم وقتلهم تحت كل حجر وشجر، ومن ثم طمس معالمهم وتاريخهم وإبادة تراثهم ومخزونهم العلمي والفكري، نتيجة لتلك السياسات الجائرة التى أسست لهذا العدوان وهذا الانقسام الذي أخذ يسود العالم الاسلامي اليوم ومنذ تلك العهود.

فمن الطبيعي إذن أن نشهد مانشهده فى عصرنا هذا فى معظم ديارنا الاسلامية من هذه المواقف السلبية المحزنة المتجاهلة والمهمشة لهذه النخبة الطاهرة والمصطفاة من أهل بيت النبوة الكرام ولتراثها وتاريخها المجيد، على نبينا وعليهم أفضل الصلاة والتسليم.

فإذا كانت حادثة مقتل إبن بنت رسول الله صلواته وسلامه عليه وعليهم جميعا، لم تهز ولم تصدم أو تحرك مشاعرأو حتى جفن أحد من معظم الرواة والمؤرخين وكتاب السير فى عالمنا الاسلامي من مختلف العهود وحتى تاريخنا المعاصرمن الذين أرخوا ووثقوا لتلك الحقب، وممن سخروا كل طاقاتهم ومجهوداتهم الفكرية والعلمية لمؤازرة ودعم الطغاة والدعاة المنافقين من وعاظ السلاطين وحكام الجور والظلال على إمتداد هذا التاريخ، للعمل على تشويه التراث الاسلامي ومسيرة أهل البيت وأتباعهم، والى أن اعتبروا فيه هذه المأساة المروعة ماهي إلا مجرد حادثة عابرة فى تاريخنا الاسلامي لاينبغي للمسلمين الاطلالة عليها أوالوقوف أمامها، بل وحتي أنهم أرسوا خلالها تراثا وقواعدا وثقافة ومسلمات ثابتة أصبحت تعتبرها حادثة معزولة حدثت بين أبناء عمومة لاينبغي لنا الحديث عنها، وان محاولة إجترار وذكر أو تناول أحداثها يعتبر من هذا المنظور هو بمثابة الطعن فى أعلام ورموز اسلام الامة والاسلام برمته، فأشاعت خلالها مفاهيم وثقافات «عجيبة غريبة» أصبحت تجوز الترضية لله عن القاتل والمقتول فى وقت واحد..؟!

كما أتت بثقافة صوم عاشوراء وتوزيع الحلوي، والى غير ذلك من المفاهيم والثقافات التى شاعت وسادت فى العالم الاسلامي، وباتت من المسلمات، بل ومن الثوابت الشرعية..!

فأي حديث عبثى هنا اليوم عن ذكري هذه المأساة يمكن أن يكون مقبولا , وخاصة من قبل تلك الاطراف التى تعتبرالاحتفال بهذه الذكرى هو رجس من عمل الشيطان.؟!

فلا التراث ولا التاريخ ولا مصادر المناهج العلمية والدراسية والثقافية معنية بنقل وقائع المأساة أو حتى تناول أحداثها من بعيد أو قريب، فجميع هذه المصادر قد كرست ووظفت لمجابهة ومواجهة هذا المد الحسيني الذي أرسيت قواعده على تغييب الوعي وتجاهل كل ما يذكر المسلمين بأهل البيت وتراثهم وتاريخهم العتيد.

ومن المؤسف والمحزن معا فى هذه المفارقة، هي أن تمر هذه الذكري السنوية الاليمة كما هو مفترض على المسلمين جميعا دون أن نجد فى عالمنا العربي والاسلامى على كثرة ما يحتويه من ضخ إعلامي كبير بتعدد وتنوع وسائله ومصادره بما يذكر المسلمين بهذه الحادثة أوما يشيرالى التفاعل مع المناسبة وخطبها العظيم بمقتل الامام الحسين، سواء عبر وسائل الاعلام أم فى خطب الجمعة، ثم من هو الحسين هذا، أليس هوالحسين بن علي بن أبي طالب إبن بنت رسول الله وسبطه وسيد شباب أهل الجنة، فهل هناك من المسلمين من يدعى أو ينكر غير ذلك.؟

بل وأضيف هنا أيضا - فأقول أنه من المثير للسخرية بأن تثار مسألة إنتقاد أتباع أهل البيت بإحيائهم لذكرى مراسم إستشاد الامام الحسين، وهذا عبر ما نسمعه بما يشن عليهم من تلك الحملات المتكالبة وتوجيه الانتقاد إليهم، وإثارة اللغط والازدراء وتوجيه الاساءة والكثير من قضايا التشكيك ووسائل التعتيم على إحياء هذه الذكرى وهذا التراث، ولا لشئ إلا لانهم يتفاعلون ويقيمون مراسم العزاء على الامام الحسين فى ذكرى مقتله يوم عاشوراء، بل وأن القوم لم يكتفوا بذلك، فأشاعوا ثقافات ومفاهيم جديدة كما بينت للتغطية والتعتيم على كل ما يذكر الناس بتراث ومدرسة أهل البيت..!

يحدث هذا فى إنتقاد أتباع أهل البيت لمجرد إحيائهم لهذه الذكرى، فى الوقت الذي تقام فيه سنويا مئات من الاحتفالات والمهرجانات فى معظم دول العالم العربي والاسلامي لاحياء ذكري الثورات والاموات والمناسبات العديدة، والتى يطبلون ويزمرون لها وتهدر خلالها الاموال والممتلكات العامة دون أن نجد من من يحاول توجيه الانتقادات إليها.!!

أقول رغم ذلك فإن الامل مازال يحذونا بأن تزول هذه المنغصات من دنيا المسلمين لتجتمع الامة على قلب رجل واحد، وليس ذلك على الله بعزيز مادام هناك من المسلمين من يسعى ويعمل بإخلاص فى الدعوة الى هذا التقارب.

إنني بهذه اللفتة الكريمة التى وجه فيها شيخنا الجليل الصفار ندائه ورسالته لمن يتجاهل تراث أهل البيت ، أرجو أن يتحقق أمله فى أن تصل رسالة سماحته لكل من زاغ السمع وهو بصير، وأن تكون هذه الرسالة فى ذات الوقت رسالة مقبولة، فلربما كان لها فاعليتها وتأثيرها الايجابي عاجلا أوآجلا لكل من تصل إليه.

كما أشير هنا أيضا إلى أن قضية أو مشكلة أتباع أهل البيت فى العالم الاسلامي كما هو معلوم هى أنهم لم يكونوا يعانوا من مسألة التعتيم والتهميش ومحاولات الاساءة والتشويه والازدراء فقط، ولكن الى جانب هذا هو معاناتهم أيضا مع الفكرالاوحادي المتحجر والمغلق الذي يرفض قبول الآخر، رغم ما يشهده العالم اليوم من عصر الثورة المعلوماتيه التى إنتفى فيها عصر التفرد بالرأي وتغييب الوعي والاعلام ومصادرة الرأي الآخر، فالرسالة الاعلامية لم تعد حكرا على جهة دون أخري كما كانت من قبل.

ولهذا فإن مانتأمله دائما هو التفاؤل بأن تتفاعل مجتمعات الامة الاسلامية مع هذا التراث وهذا الحدث التاريخي، فالحسين وتراث أهل البيت عامة ليس شأنا شيعيا فحسب، وإنما هو شأن لكل المسلمين جميعا.

أخيرا أتقدم بوافر شكري الجزيل لشيخنا الجليل الذي حفزني لكتابة هذه التعليق المتواضع، ولقضية طالما إستثارت مشاعري تعجبا ودهشة، خاصة من مسألة هذا التعتيم اللافت على مدرسة أهل البيت صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم أجمعين، ليس فى منطقتنا فحسب وإنما فى أغلب الديار الاسلامية، نتيجة للاسباب والمسوغات التى أشرت لذكرها.

فهل يأتي ذلك اليوم الذى نجد فيه أمة الاسلام وقد إجتمعت على كلمة سواء..؟

هذا هو ما يتمناه كل مؤمن مخلص فى عالمنا الاسلامي، فعسى أن يكون هذا اليوم قريب.

كاتب ومؤلف سعودي