المذهب - أو - والوطن

شبكة راصد الإخبارية كفاح عبدالله النهاش

كثيرة هي الكتب، ولكل كثرة سلبية.. فقليل ما هو جديد فيها، التكرار في موضوعاتها وخصوصاً لدى طبقة المشايخ الكرام ليس قليلاً، عندما يتكرر الموضوع يقل الإبداع فيه، ويكثر النقل بين جملة كتب تحمل في طياتها نفس العناوين ونفس الأفكار إلا أن تركيب الجمل يختلف!

وقع بين يدي كتاب شدني العنوان وشدتني أكثر تلك الصورة التي على الغلاف، الصورة كانت للشيخ حسن الصفار مع الملك عبد الله بن عبد العزيز، أوحت إليّ الصورة ذات العنوان، فمن أختاره أحسن الإختيار: الدين يتمثل في عمامة والوطن يتمثل في كرسي الحكم..

ولكن لدي نظرة حول الكتب التي تؤلف من قبل المشايخ الكرام كما قرأت عزيزي القارئ في الأسطر السابقة، فهل ينطبق ذلك على «المذهب والوطن»!

نشّرت الكتاب بسرعة.. في الحقيقة كانت مفاجأة بالنسبة لي تلك العناوين الرئيسية منها والجانبية، كأنني وجدت شيئاً بينها كنت ابحث عن الإجابة عنه من زمن بعيد..

أسألة حول مذهبنا الشيعي وآخرى سياسية تتناول الوضع الراهن.. في كل مكان وخصوصاً في وطننا «المملكة العربية السعودية» نسأل عنها وتثار حولها الإستفهامات تلك التي لا تعرف من تخاطب، فقد تكون في الروضة لطفل يسأل تلك الأسئلة التي يُسأل عنها من هو في الثانوية ومن هو في الجامعة ومن هو في وظيفته أي كانت تلك الوظيفة..

يا ترى لو كانت لدينا مرجعية دينية كتلك التي لدى الأخوة السنة مثلاً هيئة كبار العلماء، هل يا ترى سوف توجه الأسئلة وخصوصاً ما يتعلق بالجانب الديني إلى عامة الناس؟!

بدأت القراءة في الكتاب.. أول أسطر المقدمة يضعك فيها الصفار أمام هدفه الرئيس من الحوار، لأن لدينا من يزايد في مثل هذه المواضيع، يقول الشيخ الصفار: «تحديد هدف الحوار بين أطرافه شرط هام لإنجاحه، ولترشيد مساراته» ويضيف: «إذا لم يتجه المتحاورون نحو هدف محدد، أو اختلفت الاستهدافات بين أطراف الحوار، فلن يكون الحوار ناجحاً مثمراً، ولن تنتظم إيقاعاته بشكل موضوعي سليم».

بعد ذلك يقول قناعته في الحوار: «أني مقتنع بأن التعارف يجب أن يكون هو هدف الحوار، وليس التبشير برأي المذهب، أو تسجيل نقاط غلبة وانتصار».

ويقول حول المنهج المتبع في الاجابة على الاسئلة التي وجهت إليه: «التزمت في إجاباتي بما يخدم هذا الهدف، مكتفياً بإيضاح الموقف، مع الإشارة إلى مبرراته أحياناً دون الانسياق إلى دائرة الجدل المذهبي..»

هذا المنهج في رأي هو منهج سليم، فأكثر الناس شاهد بعض الفضائيات التي نقلت الأمة إلى عصور سالفة أكل الدهر عليها وشرب وفي وقت كانت بحاجة إلى الهدوء والتعارف لتنعم بالاستقرار، لا لصب الزيت على النار..

تلك الليلة التي بدأت قراءة الكتاب فيها لم استطع النوم حتى آخر كلمة منه.

سوف أكتفي بنقل بعض الفقرات من آخر فصل وهو بعنوان «مداخلات واصداء» فالدكتورة عزيزة المانع تقول عن الحوار: لعلها هذه هي المرة الأولى التي يتاح فيه لشيخ من شيوخ إخواتنا الشيعة أن يتحدث بهذا التوسع والوضوح فيشرح لهم وجهة النظر الشيعية ويصحح كثيراً من المفاهيم الخاطئة لدى البعض عن الشيعة.. وتضيف: وأشهد أن الشيخ حسن الصفار بدا لي من خلال حديثه شخصاً مميزاً يتسم بسمات فكرية وخلقية لا تتوفر لكل أحد.. إن ماجاء في حديث الشيخ الصفار عبر المكاشفات هو كلام في غاية الأهمية ومن المصلحة الإصغاء إليه بعناية وتحكيم العقل في التعامل معه لاستيعاب ابعاده العميقة.

أما الأستاذ حمود أبو طالب فيقول: لقد كانت حلقات مكاشفات مع الشيخ الصفار على قدر كبير من الأهمية يعود إلى كونه -أي الشيخ حسن- شخصية بارزة لا يمكن إغفالها أو تجاوزها حين يأتي ذكر الشيعة والمجتمع الشيعي في المملكة إضافة إلى ما يتوفر فيه من فكر عميق وثقافة عالية.

أما أمين عام المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية الشيخ محمد علي التسخيري فيقول: وجدته حواراً نموذجياً جميلاً بدع فيه السائل.. كما برع فيه العلامة المجيب تماماً إذ إتصف حديثه بالصراحة التامة، والمعلومات الموثقة، والصدر الرحب والتقيد الجميل ايضاً بقواعد الحوار القرآنية..

وكانت الكلمة الأخيرة للمرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله، ومما جاء فيها: وقد لاحظت الحوار الذي تضمنه هذا الكتاب فرأيت فيه تجربة جيدة في توضيح الكثير من العناوين التي يثيرها البعض ضد المذهب الشيعي وأهله وذلك من خلال المنهج الموضوعي الصريح في الحوار الثقافي الذي أدراه صاحب الفضيلة العلامة الشيخ حسن الصفار حفظه الله بالرغم من أسلوب الإثارة الذي كان يحاوله محاوره في مداخلاته الصريحة ناقلاً للهواجس التي يختزنها بعض الناس حول خط التشيع..

هذا بعض ما جاء في الكتاب حول الحوار، ولكي لا أفسد عليك عزيزي القارئ متعة اكتشاف الكتاب والاطلاع عليه، سوف أقف هنا لأنتقل إلى نقطة أخرى شيقة.

الكلام أعلاه قد لا يبدو فيه جديداً لدى بعض الناس، لأن الحديث عن الحوار وأهميته موجود، وكذلك الأسئلة حول المذهب والاشكالات التي يطرحها البعض قديمة، لكن فيما يبدو أن الجديد هو توثيق لمرحلة مهمة جداً من تاريخ الصفار ورفاقه في المعارضة، فهي كانت غامضة لا تكاد تعرف شيء عنها إلا من نفس التيار، وقد تصلك معلومات متضاربة فلا تسطيع الاعتماد عليها كمعلومة تبني عليها ذاكرتك.

كنت في حيرة من أمري، كيف أعرف عن هذا التوجه الذي اجتاح المنطقة وهجّر عدد كبير من أهلها إلى الخارج لينخرطو ضمن المعارضة ضد الحكم السعودي؟

وهل صحيح أن رجوعهم مقابل مبلغ كبير من المال أعطي إلى قادتهم كي يتركوا القضية؟

ما دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في كل ما حصل؟

كل هذه الأسئلة وأكثر أجاب عليها الكتاب بشكل مفصل وموثق.

خلاصة القول إن هذا الكتاب هو تاريخ يجب أن يحفظ ويجب أن يوسع الحوار ليشمل نقاط لم يضمها الكتاب، فهو ينفع أن يكون نواة لمذكرات توثق لتلك المرحلة ولرجالاتها.

أعود لعنوان الكتاب الذي هو في حد ذاته يحتاج إلى نقاش، فلدينا ثقافة المذهب أو الوطن وليس المذهب والوطن، لأن في الأذهان أن الوطن المقصود منه «الحكومة» والتي في أغلب الأحيان تتصادم مع الدين، معالجة الشيخ الصفار لذلك كانت موفقه.

أقف إجلالاً وتقديراً لكل ما سطره الحكيم الشيخ حسن الصفار، ولكل أعماله التي تتصف بالنضج والحكمة.

والله من وراء القصد..