عمامة شيعية تبحث عن الحوار في القصيم

صحيفة الشرق الأوسط هدى الصالح

بعد قيام مؤلفين سعوديين بتأليف كتاب عن الحوار المذهبي.. وزيارة الشيخ الصفار لعنيزة

مبادرات «رمزية» تتوالد شيئا فشيئا في المشهد الثقافي والاجتماعي والديني في السعودية، تتصل بمسألة الحوار والتسامح المذهبي، كان آخرها زيارة الشيخ الشيعي محمد الصفار، وبدعوة من محافظ محافظة عنيزة في منطقة القصيم، للمشاركة في مهرجان عنيزة الأول للثقافة والتراث وبحضور حشد من الإعلاميين والمسؤولين والشخصيات الثقافية السعودية على مدى يومين كأول «عمامة شيعية» استقبلتها منطقة القصيم، الشهيرة بمحافظتها السلفية، الامر الذي يذكر بصورة الشيخ القصيمي المعروف الشيخ سلمان العودة اثناء ترافقه مع الشيخ حسن الصفار في ذات السيارة عقب إحدى جلسات الحوار الوطني السابقة.

وضمن هذا السياق، يأتي التقاء عدد من الكتاب والمثقفين الإسلاميين السعوديين المحسوبين على تيارات دينية متباينة أخيرا في كتاب يؤصل لما أسموه «الحوار المذهبي في السعودية» في سابقة تعد الأولى من نوعها، والذي أتى كما ذكر في مقدمة الكتاب استجابة لدعوة الشيخ عبد الله بن منيع التي أطلقها في حواره مع «الشرق الأوسط» في «17 مارس / آذار 2006» للحوار بين المذاهب الإسلامية في السعودية وتأييد الشيخ صالح السدلان، عضو هيئة التدريس في جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية، لهذه الدعوة في حوار أخر نشرته «الشرق الاوسط» ايضا في وقت سابق. الكتاب طرح تساؤلات حول مدى أهمية دور الرموز الدينية والمثقفين والكتاب الإسلاميين في خلق أجواء ملائمة للتواصل وكسر حواجز العزلة ما بين مختلف التيارات والمذاهب في السعودية والعبور إلى ضفة التعايش السلمي والتي لن تكون سوى عقب وأد النظرية «الاستئصالية».

• وصل وفصل في الحوار المذهبي شعار: «نتفق فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا الآخر فيما اختلفنا حوله» هو هدف الكتاب الذي احتوى عشر مقالات لرجال دين وكتاب من مذاهب مختلفة بينهم الدكتور محمد بن صالح العلي، والكاتب عبد الله فراج الشريف، ومحمد المحمود وعدنان الزهراني وفهد العصاري وزيد الفضيل، ومحمد الدحيم، وعلي آل مستنير، والشيخ موسى بو خمسين، وأعد الكتاب محمد محفوظ.

أقرُوا جميعا قاعدة «الحوار المذهبي وأصوله» باعتباره تجسيدا أوحد للمواطنة بحقوقها وواجباتها وفضاءاتها العميقة كونها الوعاء الذي ينبغي الانصهار فيه رغم تعدد ألوان المشهد الثقافي والمذهبي الذي يتماوج في شقه الديني بين المد الاثني عشري في الشرق، والإسماعيلي في الجنوب الغربي على الصعيد الشيعي، وبين أتباع التيار السلفي الحنبلي في الوسط، وأتباع المذاهب السنية الأخرى من شافعية ومالكية وحنفية، السالكين مسلكاً تصوفياً في الغرب وبعض مناطق الشرق على الصعيد السني، علاوة على وجود عدد من الأطياف الفكرية المنطلقة في توجهها من سياقات ليبرالية أو فلسفة قومية هنا وهناك.

الكاتب محمد الحافظ، معد كتاب «الحوار المذهبي في السعودية.. رؤى متنوعة» قال في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن احد التأثيرات الفكرية لظاهرة التباعد المذهبي في المشهد السعودي ناتج من طبيعة الخطاب الديني السائد من قبل رجال الدين من كافة مذاهبهم، مضيفا أن أي محاولة لتقريب وجهات النظر بين الأفراد والشرائح المختلفة ستنعكس حتما على طبيعة واقع الخطاب الديني. فالحوار الايجابي والتواصل بين مختلف الشرائح، كما ذكر الحافظ، سيساهم في إنتاج خطاب ديني تواصلي ووحدوي على عكس ما ستسببه القطيعة والجفاء بين المشايخ بمختلف مدارسهم الفقهية ومذاهبهم من إبقاء حالة المفاصلة بين أبناء المجتمع الواحد رغم تعدد الرؤى والقناعات «التواصل بين شريحة علماء الدين سيمكن المجتمع السعودي من إنتاج خطاب ديني تواصلي تعايشي في داخل الوطن الواحد» هو ما أكد عليه الكاتب. وشدد الحافظ على أن أي مبادرة تفتح التلاقي بين الشرائح المختلفة إنما ستساهم في خلق مناخ نفسي وايجابي بين أفراد المجتمع الواحد، متطلعا في الوقت ذاته إلى تحول الخطوات وبعض الاجتهادات الفردية من رجال الدين وبعض الشخصيات الاجتماعية من موقع عاطفي اجتماعي إلى خطوة عملية نحو تبادل الرأي والمسؤولية وفتح آفاق الحوار في كافة القضايا التي تعني المجتمع السعودي.

• مفردة سعودية جديدة وحول تداول مفردة «الحوار المذهبي» في المؤسسات الإعلامية والمنتديات الثقافية والاجتماعية في الآونة الأخيرة أفاد بشأنها الحافظ بأن غياب الجهود الثقافية لفحص وتفكيك عبارة «الحوار المذهبي» هو السبب في ولادة الكتاب الذي اعتبره «محاولة لبيان وجهات نظر متعددة ومتنوعة حول مفهوم الحوار المذهبي في السعودية» من قبل شخصيات تمثل عشر مدارس فقهية مختلفة ومن مناطق متعددة .

وأوضح الحافظ أن من شأن تراكم مثل هذه المبادرات وإسنادها بخطوات أخرى أن تخلق حالة من التعايش المذهبي في السعودية. وحول التخوف من تشريع الفوضى من خلال مراعاة التعدديات رفض الحافظ بشدة هذا التخوف قائلا إن «التعايش المذهبي الملتزم بضوابط الوحدة الوطنية لا يؤسس سوى لمزيد من الاستقرار السياسي والاجتماعي وتقوية لحمة البناء الداخلي الوطني المستند إلى ضرورة الوحدة ومتطلبات الاستقرار».

• الزائر القطيفي للقصيم من جانبه علق الضيف «الجديد» على القصيم، الشيخ محمد الصفار، العائد أخيرا من محافظة عنيزة تلبية لدعوة محافظ المنطقة قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن ركنا أساسيا من دواعي الحوار الوطني كان قد رعاه الملك عبد الله بن عبد العزيز في سبيل الحوار والتلاقي بين المذاهب في السعودية إضافة إلى كلمته الأخيرة في مجلس الشورى، بما في ذلك حديث إمام وخطيب مسجد الحرام في مكة المكرمة الشيخ الدكتور عبد الرحمن السدس في خطبة الجمعة الأخيرة.

وأوضح أن ما يخرج على الساحة من فتاوى تهييجية وخطابات متشنجة قد تعثر نتيجة للكم النوعي والفعل الايجابي والمبادرات المتقدمة التي تواجه بها مثل هذه الفتاوى والخطابات الخاطئة السياق.

وحول كتاب «الحوار المذهبي في السعودية» قال الصفار انه ومن خلال الأسماء التي التقت وشاركت في كتابه، ولما لها من مكانة وموقع مهم، ستساهم بشكل جاد في إرساء ثقافة الحوار وتهييئ الأرضية للاشتراك في «مشاريع تخدم الوطن».

وأشار الصفار إلى أن المناخ الايجابي والهادئ هو ما سيقنع الشباب بعد الدين الإسلامي عن القتال والتنافر.

ودعا الصفار إلى مزيد من المبادرات الأهلية والاجتماعية في سبيل تذويب الجليد بين المذاهب، مشددا على أهمية دور المؤسسات الإعلامية، ومراهنا أيضا على التعاون والتلاقي بين المعتدلين والمتسامحين لدعم الآخر والشد على يديه وتصحيح مساره، آملا في الوقت ذاته باستمرار التواصل بين مختلف مناطق السعودية وبين شتى ألوانها وأطيافها وان تأخذ المبادرات الشعبية إلى جانب الرسمية مكانتها وموقعها في سبيل التأكيد على الوحدة الوطنية.

• قضايا مشتركة وحوار مثمر من جهته قال الشيخ سامي الماجد إمام مسجد في الرياض، وأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بضرورة الالتزام بأدبيات الحوار مع الأطراف المخالِفة والتي منها عدم الخوض في الحوار باعتبار احد الأطراف نفسه على حق والمخالف على باطل.

وأشار الماجد إلى أن «الحوار المذهبي» المطلوب هو مشاركة الآخر في قضايا مشتركة متفق عليها سواء أكانت في جوانب إنسانية أو أصولية شرعية تكون منطلقا للحوار الحديث، وفي حال حدوث أي افتراق في وجهات نظر شرعية لا بد أن لا يؤثر على أدبيات الحوار أو أن يلغيه ويشوهه من خلال «الغلظة في القول أو المضايقات على ارض الواقع» كما ذكر.

وقال الماجد حول مقومات خلق حوار مذهبي ناجح في الوقت الذي تشهده المنطقة العربية من توترات سياسية ترتكز على إثارة النعرات المذهبية أن الأهم التربية على أصول الحوار منذ الصغر منوها «لا تعنينا معتقدات الشخص وما يراه في الطرف الآخر ما دام الاعتقاد الشخصي بعيدا عن ارض الواقع ومحدودا في اعتقاد باطني» فالالتزام بأدبيات الحوار ومراعاة حقوق الإنسان مهما كانت ديانته ومذهبه هو ما دعا إليه الرسول الكريم .

وأشار الماجد إلى أن بادرة تعزيز «الحوار المذهبي» إنما تكمن من كافة فئات المجتمع بدون استثناء من قبل علماء الدين والكتاب والمثقفين، وكلٌ ينطلق من مسئولياته الخاصة. الابتعاد عن العزلة وخلق «الكانتونات» الخاصة والضيقة في الوطن الواحد بما في ذلك من خلق ثقافة تسند خيار العلاقة الايجابية مع الآخر المذهبي والفكري، والحاجة إلى توضيح أهمية ذلك الخيار لمختلف شرائح المجتمع ودوره الحقيقي في تكريس الاستقرار السياسي والاجتماعي، هي ما ركز الكتاب العشرة على بحثه في مقالاتهم .

• خطورة الإلغاء «العلاقات الإيجابية بين أهل المذاهب الإسلامية ليست وصفة جاهزة، ولا تنجز على الصعيد الواقعي بمقولة هنا أو خطاب هناك فحسب، بل تتطلب ثقافة ورؤية عميقة واستراتيجية واضحة المعالم، نتجاوز من خلالها كل إكراهات الواقع، وتحول دون أن نتأثر بأحداث التاريخ والواقع المعاصر واضطراباتهما».. هذا ما أكد عليه كاتب المقدمة.

في الوقت الذي رأى فيه الكاتب في الشأن الإسلامي محمد المحمود أن «قراءتنا للتنوع والاختلاف كانت قراءة مغلوطة أو ـ على أحسن تقدير ـ قراءة قاصرة، لم نحاول قراءة التجارب الأخرى، فضلا عن اجتراح كيفية خاصة تلائم تنوعنا الذي لا تختلف تمظهراته الفرعية، بقدر ما يعود وبدرجة أقوى إلى مجموعة لا يستهان بها من الأصول العقائدية والتعبدية التي تؤكد وحدة الأمة وعلى قيمها السلوكية الثابتة وهي القيم التي تحدد بها هوية الأمة الواحدة».

وقال المحمود إذا كانت التعددية النوعية ظاهرة لا يمكن تجاهلها في الشرق الأوسط كافة فان واقعنا المحلي ليس بخارج عن هذا الشرط العام «فرغم محاولات التعميم ونشر المذهب الواحد إلا أن النتائج كانت عكسية إلى درجة لم يتوقعها غلاة المؤدلجين من العقائديين الذين مارسوا تعميم المذهب الخاص بهم، بدون وعي بخطورة الإلغاء على الوحدة المدنية».

أما الباحث الاسلامي «الشيعي» من المدينة المنورة، فهد العصاري فذكًر بدعوة الشيخ بن منيع عبر «الشرق الأوسط» للحوار المذهبي، مضيفا انه ومن خلال مشاركته في جلسات مؤتمر اللقاء الوطني الأول للحوار الفكري دعا الشيخ ربيع المدخلي إلى حوار بين السنة والشيعة والتي استقبلها الشيخ حسن الصفار، كما ذكر، داعيا العلماء لأخذ زمام المبادرة ونوه بدعوات مشابهة من قبل الدكتور عبد العزيز التويجري والشيخين حسن النمر وهاشم السلمان والسيد محمد علوي مالكي إلى جانب الشيخ عبد المحسن العبيكان.

المحامي عدنان الزهراني رأى أن «الفكرة لا تكون سببا شرعيا ولا ترقى لتصبح سببا كافيا لإغلاق فم الآخرين أو عقوبتهم أو استئصالهم، والفكرة لا تواجه سوى بالفكرة».

من جانبه قال علي آل مستنير في مقالته في كتاب «الحوار المذهبي في السعودية»: «حان الوقت للحوار والاعتراف بالتعددية التي تزيدنا قوة وتلاحما وتبعد عنا ذلك الخطاب الديني المتشدد الذي يؤدي إلى الفرقة والتشرذم». لتبق الدعوة بذلك مفتوحة من قبل رجال الدين والمثقفين والكتاب الإسلاميين في بذل المزيد من المبادرات في خطوة لإلغاء «محاكم التفتيش الفكرية» تأصيلا لثقافة الحوار والرأي والرأي الآخر.

الشرق الأوسط، الخميـس 08 ربيـع الثانـى 1428 هـ 26 ابريل 2007 العدد 10376