رعاية النظام والقانون

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين


لكل فرد من أبناء البشر حاجاته ومصالحه ورغباته، كما تختلف آراؤهم وتوجهاتهم، ومن الطبيعي أن تختلف الرغبات والتوجهات، فقد لوحظ الاختلاف حتى في حال التوائم السيامية، حيث عاشت فتاتان إيرانيتان ملتصقتان ببعضهما ثمانية عشر عاماً قبل أن تجرى لهما عملية فصل ماتتا على إثرها، وكانتا مختلفتين في بعض الرغبات والآراء.
وحين يعيش جمع من الناس في محيط واحد، فإن اختلاف الرغبات والمصالح والتوجهات قد يؤدي إلى التعارض والتضارب، فإذا ترك الأمر للغلبة والقوة، فإن حياة المجتمع ستحكمها شريعة الغاب.
لذلك أدرك الإنسان من بداية وعيه بالحياة الاجتماعية ضرورة وجود نظام وقانون ينظم حياة المجتمع، ويضبط العلاقة بين قواه وأفراده.
وعرف تاريخ البشر ألواناً من الأنظمة والقوانين المختلفة المتفاوتة في قربها وبعدها من العدالة والحق. لكنها كانت تلبي حاجة أساسية في أصل وجودها، فمهما كانت نسبة الخطأ والانحراف في النظام إلا أن ذلك أفضل من عدم النظام الذي يعني الفوضى والاضطراب، وتبقى مسؤولية المصلحين في كل مجتمع للسعي لتغيير القوانين بالاتجاه الصحيح والأفضل، ولتلافي ثغراتها وتصحيح أخطائها، وتقويم معوجها.
وقد تتعدى الحاجة إلى النظام الجانب الاجتماعي في حياة الإنسان، إذ أنه في بعد حياته الشخصية وفي علاقته مع ربه ومع الطبيعة التي يعيش في أحضانها، يحتاج إلى نوع من التنظيم والتقنيين.
يقول السيد الشيرازي في كتابه (القانون) من موسوعته الفقهية:
«إنما احتاج الإنسان إلى القانون لأنه إنسان، له حوائج فردية واجتماعية في مختلف الجوانب. وليس كما قال الإغريق: لأنه مدني بالطبع فيحتاج إلى تحقيق متطلبات الاجتماع، والمتطلبات لا يمكن جعلها في المسار الصحيح إلا بالقانون. وذلك لأنه لو فرض أن إنساناً عاش وحده في غابة أو كهف، لاحتاج أيضاً إلى القانون الذي ينظم سلوكه مع نفسه، مضافاً إلى القانون الذي ينظم سلوكه مع خالقه ومع الكون بصورة عامة.
وبذلك ظهر: أن قول بعض الفلاسفة: أنه لو كان المجتمع مثالياً مكوّناً من الفلاسفة لم يحتج إلى القانون، غير تام.
كيف ولنفرض أن كل أولئك الفلاسفة كانوا في أعلى درجات العدالة والنزاهة، أليس اختلاف الآراء يوجب بينهم التخاصم والتدافع؟ أوليس ذلك بحاجة إلى قانون يقرره من هو فوقهم ـ إذا اعتقدوا به ـ أو يقرره أكثريتهم، إذا كانوا يرون ذلك، أو حسب القرعة، أو أي ميزان آخر يتفقون عليه؟
إذن: فالقانون لازم لتنظيم شؤون المجتمع، مهما كان المجتمع بدائياً، أو متوسطاً، أو مثالياً وفي غاية السمو والرفعة، حيث أن اللازم أن يكون هناك مقياس لسير الفرد والاجتماع في مختلف جوانب الحياة».(1)

الالتزام بالقانون
يعتمد استقرار المجتمع، وانتظام أموره، وحسن العلاقة بين أطرافه، على مدى التزام أبناء المجتمع بالقانون السائد بينهم.
ذلك أن مخالفة القانون تسبب التصادم بين الرغبات، والتجاوز على الحقوق، وتعطيل المصالح، ووقوع الأضرار والمضاعفات.
فمثلاً مخالفة قوانين المرور تؤدي إلى الحوادث المروعة من إتلاف النفوس، وحصول الإعاقات، وخسارة الأموال.
وكذلك مخالفة أنظمة الصحة تسبب انتشار الأمراض، وتهديد حياة الناس، وهكذا الحال في سائر المجالات والجوانب. كما أن مخالفة القوانين تعني ضياع هيبة النظام وسيادة الانفلات والفوضى.
لذلك لابد من وجود شعور واندفاع عند أبناء المجتمع بالتزام القوانين ورعاية الأنظمة، حفظاً لمصالح الجميع.
إن البعض من الناس يحترم القانون حين يكون في مصلحته، ويتجاوزه حين يكون في صالح غيره، أو حين لا يجد مصلحة له في التزامه، وهذا خطأ كبير، لأن سيادة القانون مصلحة عامة تنعكس فائدتها على الجميع، ولأن عليه أن يتصور نفسه في الموقع الآخر، فهل يرضيه تجاوز الآخرين على مصلحته؟
وهناك من يحترم النظام إذا خاف العقوبة الرادعة أما عند الأمن من العقاب أو تمكّن الفرار، فإنه يتجرأ على المخالفة والتمرّد، وهذا يكشف عن خلل في النفسية والوعي.
وقد تكون للبعض اعتراضات على بعض الأنظمة والقوانين، أو عدم ثقة ورضا بالجهة التي أصدرتها، لكن ذلك لا يصح أن يكون مبرراً للمخالفة، بل يجب أن يكون دافعاً للعمل والسعي للتصحيح وتقويم معوج الأنظمة، وتغيير جهة التشريع والتقنين، بالطرق والأساليب الممكنة المشروعة، وإلى أن يتحقق ذلك لابد من رعاية الأنظمة والقوانين السائدة. كما هو واقع الحال في المجتمعات الديمقراطية حيث تحتج المعارضة على بعض القوانين، وتعترض عليها، وتقدم المشاريع البديلة، وتتحرك إعلامياً وسياسياً لتحقيق ذلك، لكن المعارضين يجدون أنفسهم ملزمين برعاية الأنظمة القائمة، وليس مقبولاً منهم مخالفتها.
نعم قد تتبلور إدارة جمعية للتغيير والتصحيح، وقد تكون المخالفة للقانون ضمن وسائل العمل لتغييره وتصحيحه، كما هو الحال في برامج الإضراب والعصيان المدني التي تحصل في بعض البلدان. ولكن ذلك أيضاًَ يكون من خلال قانون، أو قيادة ذات مقبولية، وليس تصرفاً فردياً أو ممارسات اعتباطية.
وبالتالي فلا يصح لفرد أو مجموعة مخالفة القوانين والأنظمة لموقف لهم تجاه السلطة أو ملاحظة لديهم على بعض القوانين.
بالطبع فإن المسلم لا يطبق قانوناً يتصادم مع حكم شرعي لازم ما وجد إلى ذلك سبيلا.

الكون وحاكمية النظام
آيات كثيرة في القرآن الكريم تلفتنا إلى النظام الصارم الذي يلف الكون، فالكون خاضع لنظام دقيق، كل ذرة فيه وجدت في مكانها بحساب، وعلاقتها مع ما سواها تجري بنظام دقيق. يقول تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ(2). ويقول تعالى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ(3). ويقول تعالى: ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً(4). ويقول تعالى: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(5).
هذه الآيات الكريمة وأمثالها، وما تؤكد عليه من خضوع الكون والطبيعة لسنن ثابتة، وقوانين صارمة، يلحظها الإنسان ويشاهدها، ويكشف له العلم كل يوم عن المزيد والجديد من تجلياتها. إنما تريد أن توجه الإنسان إلى التفكر في عظمة الخالق سبحانه، وإضافة لذلك فإنها تستهدف صنع خلفية وأرضية في نفس الإنسان وعقله للالتزام بالنظام والقانون، في حياته الشخصية والاجتماعية.
وهذا ما تصرح به آيات أخرى تحذر الإنسان من مخالفة الحدود الشرعية، وتحثه على التقيد بها. يقول تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(6). ويقول تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ(7).

العبادات والتربية على النظام
إذا تأملنا الأحكام التفصيلية للعبادات في الشريعة الإسلامية، فإنا نستنتج منها أنها تربي الإنسان المسلم على التزام النظام والقانون، فالصلاة مثلاً مطلوبة من الإنسان في أوقات محددة، لا تصح قبلها بلحظة، كما لا يجوز تأخيرها عن وقتها اختياراً ولو بلحظة واحدة.
وللصلاة أركانها وواجباتها التي لا يصح إهمال أو تجاوز شيء منها.
وكذلك الصوم فإنه يجب في شهر معين (شهر رمضان)، وضمن وقت معين، من طلوع الشمس إلى الغروب، وليس مقبولاً تأخير الصيام دقيقة واحدة عن الفجر في مقابل تمديده ساعة بعد الغروب.
وفريضة الحج محددة بوقت مخصوص، ومكان مخصوص، ضمن مناسك وأعمال مقننة، لا تخترقها رغبات الإنسان وأهواؤه، ولا يجوز له التهاون والتسيب في شيء من حدودها.
وكذا الحال في فريضة الزكاة التي تجب في نصاب معين، وبأحكام خاصة لابد من مراعاتها.
كل ذلك يفترض أن يساعد على تربية الشخصية المنظمة الحريصة على التزام النظام والقانون، والبعيدة عن التسيب والمخالفة.

الرأي الفقهي
أفتى الفقهاء بوجوب رعاية الأنظمة والقوانين حفظاً لنظام حياة المجتمع، وحماية للمصلحة العامة، واحتراماً للحقوق المتبادلة بين الناس.
ولا يختص وجوب الالتزام بالقوانين وحرمة مخالفتها بالبلاد الإسلامية، بل إن المسلم مكلف بذلك حتى في البلاد غير الإسلامية، باعتباره قد ألزم نفسه برعاية الأنظمة القائمة فيها، من خلال تأشيرة الدخول الممنوحة له المتضمنة لذلك، إضافة إلى أصل احترام مصالح الآخرين وحقوقهم.
وكنموذج للرأي الفقهي نعرض لبعض فتاوى المرجع الديني السيد علي السيستاني أجاب بها على أسئلة قدمت له ترتبط برعاية الأنظمة والقوانين، يقول السائل: هل يلزم المكلف الحاصل على فيزا الالتزام بقوانين البلد غير الإسلامي، بما في ذلك التقيّد بأمثال إشارات المرور وقوانين العمل وأمثالها؟
فأجاب سماحته: «إذا تعهد لهم ـ ولو ضمناً ـ برعاية قوانين بلدهم، لزمه الوفاء بعهده، فيما لا يكون منافياً للشريعة المقدسة. ومثل إشارات المرور يلزم التقيد بها مطلقاً، إذا كان عدم مراعاتها يؤدي ـ عادة ـ إلى تضرر من يحرم الإضرار به من محترمي النفس والمال»(8).
ورداً على السؤال التالي: توجد عبارات في بعض وسائط النقل تنص على عدم جواز التدخين فهل تجوز مخالفتها؟
أجاب السيد السيستاني: «إذا كان ذلك بمثابة شرط ضمني على من يريد الركوب فيها، أو كان قانوناً حكومياً وقد التزم لهم برعاية القوانين الحكومية، لزمه العمل وفق شرطه والتزامه»(9).
وجواباً على السؤال التالي: هل يجوز للمسلم أن يعطي معلومات غير صحيحة للدوائر الحكومية في أوربا للحصول على مزايا وتسهيلات مالية أو معنوية، وبالطريقة القانونية لديهم؟
قال السيد السيستاني: «لا يجوز ذلك، فإنه من الكذب، وما ذكر ليس من مسوغاته»(10).
وسئل سماحته: هل يجوز الغش في المدارس الرسمية في أوربا؟ وهل يجوز الغش في المدارس الأهلية إسلامية أو غير إسلامية؟
فأجاب: «لا يجوز الغش في شيء منها»(11).
وعن مثل هذه الموارد سُئل فقهاء آخرون فكانت إجاباتهم وفتاواهم تؤكد على رعاية القانون والنظام في أي بلد ومجتمع.
فقد وُجه للمرجع الديني الراحل السيد محمد رضا الكلبايكاني(رحمه الله) السؤال التالي: في الدول الكافرة أو التي لا تحكم بالإسلام هل يجوز مخالفة النظام العام مع أمن الضرر؟
فأجاب: «لا يجوز ذلك»(12).
ولزوم رعاية النظام والقانون في مختلف الدول بغض النظر عن دينها أو نمط حكمها هو رأي السيد الخوئي أيضاً، وقد أجاب (رحمه الله)على السؤال التالي: هل حكمكم بعدم جواز مخالفة النظام في الدول الكافرة مبني على الاحتياط أم فتوى؟
فقال: «هذا الحكم فتوى، وليس باحتياط»(13).
وعلى هذا الموقف يؤكد المرجع الديني الشيخ محمد الفاضل اللنكراني حيث أجاب على السؤال التالي: هل يجب على المؤمنين التقيّد بجميع قوانين مثل هذه الدول سواء مثل نظام السير، وحركة السيارات والآليات أو غيره، من قبيل منع بعض التجارات ببعض الأشياء، أو التقيّد بنظام تحديد أسعار السلع، وعدم التخلف عن دفع ضرائب ونحو ذلك؟
أجاب بقوله: «الظاهر هو الوجوب»(14).
وحين يفتي الفقهاء بوجوب رعاية النظام والقانون فإنهم بسيرتهم العملية يقدمون نموذجاً للالتزام بهذه الفتوى. فقد أفرد أحد الباحثين في حياة الإمام الخميني (رحمه الله) فصلاً كاملاً في كتابه عنه تحت عنوان (رعاية القانون) سجّل فيه عدداً من المشاهد والمواقف التي تظهر التزامه (رحمه الله) برعاية النظام والقانون في ظل مختلف الحكومات، نقتطف منها ثلاثة نماذج:
يقول أحد مرافقيه من العلماء: كنت ذات ليلة عند الإمام الخميني في النجف إذ جاءه أحد الطلاب وسأله في مجلسه: هل يمكن شراء طابع قيمته ثمانية ريالات بريالين والامتناع عن دفع بقية المبلغ؟
فأجاب الإمام: هذا العمل غير جائز. ثم قال: حتى ولو كان ستالين حاكماً فإن حفظ النظم من أهم الواجبات (15).
من الخصوصيات البارزة للإمام الخميني أنه حتى في دولة الكفر كان يراعي الحقوق والقوانين الاجتماعية لذلك المجتمع، ومن ذلك حينما كان في باريس، فقد جمع الأخوة مالاً واشتروا نعجة وذبحوها خلف فناء كان قد جاء الإمام إليه لأجل الصلاة، فهيئوا طعاماً في ليلة عاشوراء، فأرسلوا مقداراً من اللحم إلى منزل الإمام. وكان في فرنسا قانون يمنع ذبح أي حيوان خارج المسلخ رعاية للمسائل الصحية، وعندما أطلع الإمام على هذا القانون قال: لما كان هذا مخالفاً لقانون حكومة هذا البلد فإني لن آكل من هذا اللحم (16).
ومرة احتاج الإمام الخميني لمراجعة كتاب كان موجوداً في مكتبة حسينية جماران الملاصقة لمقر إقامته في طهران، والتي يستقبل فيها الناس، فطلب من ابنه أن يأتيه بالكتاب، فأخبره ابنه السيد أحمد أن قانون المكتبة يمنع إخراج الكتاب منها.، ويسمح بالمطالعة في نفس المكان. فردّ الإمام فوراً أنه لابد من الالتزام بقانون المكتبة وعدم إخراج الكتاب، وطلب أن يجلب له الكتاب من مكان آخر (17).

لماذا التساهل في رعاية النظام؟
في الدول المتقدمة والمجتمعات المتحضرة ترى هناك التزاماً عاماً عند المواطنين برعاية الأنظمة والقوانين، والمخالفات التي تحصل لا تصل إلى مستوى الظاهرة العامة. بينما في مجتمعات الدول النامية وبلاد العالم الثالث، تجد أن مخالفة القوانين تمثل ظاهرة عامة، وعادة ما يستصعب الناس الالتزام بالقانون إلا إذا اضطروا إلى ذلك.
إن هناك أسباباً وعوامل تساعد على التزام الناس بالنظام، ومن أهمها ما يلي:

1/ مشاركة الناس في صنع القوانين والأنظمة، فحين تكون هناك مشاركة شعبية عبر نظام الانتخابات واختيار الممثلين لمؤسسات صنع القرار، فإن رضا الناس عن القوانين، وشعورهم بأنها تمثل رأيهم وتخدم مصالحهم، يعتبر عاملاً أساسياً في الالتزام والتطبيق.

2/ القيادات القدوة: فحين يرى الناس التزام قياداتهم وكبار رجال مجتمعهم بالقوانين والأنظمة، فإنهم سيندفعون لتطبيقها، أما حين تسود المحسوبيات، ويصبح النافذون فوق القانون، فإن هيبة القانون وقيمته تسقط في نفوس عامة الناس.

3/ الرقابة والردع: إن وجود نظام للردع يحمي القانون ويمنع الجرأة على اختراقه ومخالفته، كما أن الرقابة الصارمة، وإتاحة المجال لتسليط الأضواء على واقع سير الأنظمة والقوانين، له دور كبير في ضمان التنفيذ والتطبيق. وهذا ما نراه في الدول المتقدمة، بوجود مؤسسات للرقابة والمحاسبة، وأجهزة قضائية مستقلة، وإعلام حر يقتنص أي خطأ وخاصة على الجهات النافذة، وتنافس سياسي يجعل كل جهة تبحث عن مخالفات الجهة الأخرى، مما يشكل روادع وكوابح لحالات تجاوز القانون.
بينما في العالم الثالث هناك تسيب وتساهل يتيح الفرصة لحالات الفساد وتجاوز الأنظمة والقوانين.

4/ ثقافة الالتزام بالقانون: إن التربية على رعاية النظام والقانون يجب أن تبدأ من المحيط العائلي، ولمناهج التعليم وأجواء الدراسة دور كبير في توجيه المواطن لاحترام النظام، كما أن وسائل التثقيف والإعلام تتحمل جزءاً هاماً من مسؤولية التوجيه لرعاية النظام والقانون.

وعلماء الدين بما لهم من موقعية وتأثير عليهم أن يبينوا للناس البعد الشرعي لمسألة التزام القوانين. فكما يلتزم المسلم بأحكام صلاته عليه أن يلتزم بأنظمة المرور، وكما يحرم الإخلال بأحكام الصوم يحرم تجاوز القوانين التي تنظم شؤون المواطنين.

إن للتوعية والتثقيف دوراً محورياً على هذا الصعيد، وإن مجتمعاتنا بحاجة إلى روح النظام وأخلاقية الالتزام، لنحفظ مصالحنا العامة، ولنرتقي إلى مستوى تعاليم ديننا الحنيف، وحتى لا نتخلف أكثر عن ركب المجتمعات المتحضرة.
نسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدينا جميعاً إلى ما فيه الخير والصلاح، والحمد لله رب العالمين.
(1)الشيرازي: السيد محمد الحسيني، الفقه ـ القانون، ص103-104، الطبعة الثانية 1998م، مؤسسة البلاغ، بيروت.
(2)سورة القمر الآية 49.
(3)سورة الرعد الآية 8.
(4)سورة الطلاق الآية 3.
(5)سورة يّـس الآية 39-40.
(6)سورة البقرة الآية 229.
(7)سورة الطلاق الآية 1.
(8)السيستاني: السيد علي، الفقه للمغتربين، مسألة رقم 235، الطبعة الثالثة 2002م، مكتب السيد السيستاني، قم.
(9)المصدر السابق، مسألة رقم 234.
(10)المصدر السابق، مسألة رقم 238.
(11)المصدر السابق، مسألة رقم 233.
(12)الحسيني: السيد حسين، أحكام المغتربين، مسألة رقم 1244، الطبعة الأولى 1420هـ، مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت، طهران.
(13)المصدر السابق، مسألة رقم 1246.
(14)المصدر السابق، مسألة رقم 1257.
(15)رجائي: غلام علي، قبسات من سيرة الإمام الخميني ـ القيادة، ص326، الدار الإسلامية، بيروت 2005م.
(16)المصدر السابق، ص327.
(17)المصدر السابق، ص328.