كرامة الإنسان والخطاب الديني

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين


انتماء أي جمع من الناس لإطار مادي أو معنوي مشترك، تترتب عليه درجة من الخصوصية للعلاقة فيما بينهم، فإذا كانوا أبناء عشيرة واحدة مثلاً، فإنهم يشعرون بالتزام خاص تجاه بعضهم بعضا، وإذا كانوا أهل دين واحد، كانت العلاقة فيما بينهم أوثق واحترامهم لبعضهم أكثر، هذا أمر طبيعي معروف، ولكن هل تعني خصوصية العلاقة فيما بينهم الازدراء والتحقير لمن هم خارج إطارهم من بني البشر؟ وهل يعني ذلك أن الإكرام والاحترام يقتصر على الناس المشاركين لهم في انتمائهم فقط، أما غيرهم فهم بشر من الدرجة الثانية؟

إننا نجد في النصوص الإسلامية تأكيداً على فضل الإسلام والإيمان، ومدخليته في كمال شخصية الإنسان، وإشادة بمكانة الإنسان المسلم ـ المؤمن، وتوجيهاً لاحترامه ورعاية حقوقه، كل ذلك مفهوم في إطار الاعتقاد بأحقية الدين وصوابيته، وضمن توثيق عرى التلاحم بين أبنائه ومعتنقيه.

ولكن هل يستبطن ذلك التنكر لكرامة الإنسان خارج دائرة الإسلام؟

وهل يسوّغ النظر بازدراء واحتقار لجميع أبناء البشر غير المسلمين ـ المؤمنين؟

أم هل يبرر انتهاك شيء من حرماتهم وحقوقهم المادية والمعنوية؟

لقد عانت البشرية طوال عهودها من انتشار مثل هذه التصورات، التي تحصر الكرامة الإنسانية في فئة من الناس، وتحط من شأن وقدر من سواهم، مما يؤسس لتبرير العدوان وانتهاك الحقوق والحرمات.

فالنازية التي أطلق حركتها هتلر، كانت تبشر بتفوق العرق الآري، وأن اليهود والسلافيين والأقليات الأخرى هي في مرتبة دنيا، ويقضي ذلك بإبعاد غير الآريين عن وظائف الدولة، وبمنع الزيجات المختلطة، وبتعقيم المعاقين والمتخلفين عقلياً، وبمحاربة كل عرق غير آري.[1] 

واليهود والنصارى كانت تسود في أوساطهم نظرية الشعب المختار، التي تبرر ازدراء بقية الشعوب، والتجاوز على حقوقها، كما تحدث عن ذلك القرآن الكريم. يقول تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ[2] .

هذا هو المنطق الإلهي الذي يقرر التساوي بين أبناء البشر في ذاتيتهم الإنسانية ﴿بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ.

ولا يعني الإنتماء لعرق أو دين تبرير الازدراء للآخرين أو التجاوز على حقوقهم، كما كان يرى أولئك اليهود الذين لا يحترمون أموال غير اليهود باعتبارهم أميين لا إثم في مصادرة حقوقهم، كما يقول عنهم تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[3] .

إنهم ينسبون إلى شريعتهم المنزلة في الأصل من الله تعالى: أنها تجيز لهم مصادرة أموال غير المنتمين إلى دينهم، ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ويأتي الرد القاطع من الله تعالى أن ذلك القول كذب وافتراء، حيث لا يمكن أن يشرع الله تعالى للعدوان على حقوق الآخرين: ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.

ويبدو أن تنديد القرآن الكريم بمثل هذه الآراء والتصورات ورده عليها لم يكن لمجرد الإدانة والتشهير بأولئك اليهود والنصارى، وإنما الأهم من ذلك تحذير الأمة الإسلامية من الوقوع في نفس المنزلق، بأن تشيع في وسط المسلمين نظرات ازدراء وتحقير تجاه الآخرين، تبرر لتجاوز حرماتهم والاعتداء على حقوقهم.

إن هدف القرآن الكريم تأصيل مبدأ كرامة الإنسان لإنسانيته أولاً وقبل كل شيء، فمن أي عرق انحدر، وإلى أي دين وعقيدة انتمى، فهو إنسان له كرامته الذاتية.

تأصيل الكرامة الذاتية


وقد تنبه العلامة السيد محمد حسين فضل الله لهذه الحقيقة، وأكدّ عليها عند تفسيره للآية الخامسة والسبعين من سورة آل عمران. حيث قال:

»ربما نستوحي من تنديد الله باليهود في نظرتهم إلى الآخرين وعدم مسؤوليتهم عن أموال الآخرين، فلهم أخذها من دون مقابل، أنَّ الله سبحانه لا يريد للمسلمين أن يأخذوا بهذه النظرة في تعاملهم مع غير المسلمين، فيحللوا لأنفسهم مصادرة أموالهم وسرقتها بحجة عدم احترام الكافر، من حيث المبدأ، في نفسه وماله، إلا أن يكون ذمياً أو معاهداً ، بلحاظ قانون الذمة والعهد، وهذا ما درج عليه بعض الفقهاء الذين لا يرون العنوان الحربي أساساً لحلية أموال الكافرين للمسلمين، بل يرون الأصل عدم الاحترام إلا في صورة الذمة والعهد، أخذاً ببعض الإطلاقات المتضمنة قوله : »من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله، حقن بها ماله ودمه وعرضه«، وأمثال ذلك من الأحاديث التي تربط الاحترام بالإسلام، مما يجعل الكافر ممن لا حرمة له لكفره، ولكننا ذكرنا في أبحاثنا أن هذه الإطلاقات ليست واردة في مقام البيان من هذه الجهة ليؤخذ بمضمونها الإطلاقي، بل هي واردة في مقام إهدار الإسلام مال الكافر ونفسه وعرضه بالحرب، وربما يتأيد هذا الرأي في قوله تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[4] ؛ فإن الظاهر من هاتين الآيتين أن الكافر الذي لم يعلن القتال على المسلمين ولم يخرجهم من ديارهم، بل كان موقفه موقف اللاحرب في خط السلام الطبيعي الذي يعيشه الناس مع بعضهم البعض ـ من دون معاهدة أو ذمة بالمعنى المصطلح العقدي للمسألة ـ يستحق التعامل معه بالبرّ في تقديم الخير له بكل ألوانه، وبالعدل ـ بمفهومه العام ـ الذي يقتضي أن له الحق في ذلك، باحترام ماله ونفسه وعرضه وعدم الاعتداء عليه إلا بالحق، ومقتضى ذلك أن الكفر لا يساوي عدم الاحترام، بل الحرب بمضمونها المباشر وغير المباشر هي التي تقتضي ذلك ـ.

وهذه الآية تحمل الكثير من الإيحاء بأن الخلاف في الدين لا يبرر ـ بمجرده ـ إهدار حرمة الآخرين، فإن الله ذمّ اليهود على ذلك، وربما يرى بعض الفقهاء أن الآية لا تدل على أكثر من وجوب أداء الأمانة لا وجوب احترام المال، ونحن نرى للأمانة خصوصية في المسألة لأنها تتضمن التزاماً عقدياً من الشخص المؤتمن بأن يؤدي الأمانة إلى من ائتمنه عليه من خلال مبدأ الوفاء بالالتزام العقدي مع الآخر، ولهذا فإنا لا نجد علاقة بين موضوع الآية وإهدار احترام مال الكافر.

والجواب عن ذلك أن الأمانة لم تذكر موضوعاً في الآية بلحاظ خصوصيتها العقدية، وإنما لوحظت ـ في سلوك اليهود ـ من حيث أنهم لا يحترمون أموال غير اليهود بقرينة قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ فهم يخونون الأمانة على أساس عدم احترامهم أموال الآخرين، لا على أساس أنهم لا يقومون بالوفاء بالتزاماتهم العقدية، فإذا قام المسلمون بمثل ذلك في سلوكهم استحقوا الذم على ذلك. وربما نلاحظ ـ في هذا المجال ـ أن هناك عقداً إنسانياً بين العقلاء يلتزمونه في سلوكهم الاجتماعي وسيرتهم العملية أن لا يأخذ الإنسان مال غيره بدون حق، لأن مبدأ احترام الأموال لديهم من أكثر الالتزامات قوّة وقداسةً وتأثيراً في العلاقات العامة، ولذلك نراهم يذمون الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، ويعاقبون اللصوص، ولا يخرجون عن ذلك إلا في حالة الحرب من دون فرق بين الناس الذين يدينون بدين واحد أو بأكثر من دين«[5] .

الكرامة الإنسانية هل تتبعض؟


من مناطق الخلل الرئيسية في مساحة واسعة من الخطاب الإسلامي، القول بتجزئة الكرامة الإنسانية، وأنها خاصة بالمسلمين، فغير المسلم لا يشمله التكريم، وتضيق الدائرة أكثر بتخصيصها بالمؤمنين أي أتباع المذهب فقط، وما عداهم من المخالفين والمبتدعة، لا ينطبق عليهم عنوان التكريم، وتستباح بعض حقوقهم المادية والمعنوية.

مع أن القرآن نصّ على منح الكرامة من الله تعالى لعموم بني آدم يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً[6] .

والآية الكريمة صريحة واضحة في شمولية تكريم الله لبني البشر جميعا، وهذا ما أكده بعض المفسرين للآية الكريمة.

يقول السيد محمد حسين الطباطبائي: »يظهر أن المراد بالآية بيان حال لعامة البشر مع الغض عما يختص به بعضهم من الكرامة الخاصة الإلهية، والقرب والفضيلة الروحية المحضة، فالكلام يعم المشركين والكفار والفساق«[7] .

وقال الألوسي البغدادي: »ولقد كرمنا بني آدم: أي جعلناهم قاطبة برهم وفاجرهم ذوي كرم، أي شرف ومحاسن جمة لا يحيط بها نطاق الحصر«[8] .

هذا البيان الواضح الصريح كان ينبغي أن يكون أصلاً يرجع إليه في فهم بعض النصوص، واستنباط بعض التشريعات المتعلقة بالموقف تجاه الآخر المخالف في الدين أو المذهب، وأسلوب التعامل معه.

إن القول بالجهاد الإبتدائي وهو رأي مشهور الفقهاء، والذي يعني قتال الكفار لا لعدوان حصل منهم على المسلمين، وإنما لمجرد كونهم كفاراً، وتخييرهم بين الإسلام أو القتل، إلا أن يكونوا كتابيين فأمامهم خيار ثالث هو الجزية، هذا القول يحتاج إلى إعادة بحث ودراسة.

وقد أنجز بعض العلماء المعاصرين أبحاثاً قيمة على هذا الصعيد، ومنهم الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه (جهاد الأمة) والذي انتهى به البحث فيه إلى نفي مشروعية الجهاد الإبتدائي، بعد محاكمته للأدلة التي اعتمدها مشهور العلماء.[9] 

وكذلك القول بنجاسة الكافر ذاتاً وهو ما يذهب إليه فقهاء الشيعة وبعضهم يستثني أهل الكتاب، أما فقهاء السنة فالمشهور عندهم »أن الكافر الحي طاهر لأنه آدمي، والآدمي طاهر سواء أكان مسلماً أم كافرا، لقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وليس المراد من قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ نجاسة الأبدان، وإنما المراد نجاسة ما يعتقدونه، وقد ربط النبي الأسير في المسجد«[10] .

وبعض فقهاء الشيعة المعاصرين ذهب إلى هذا الرأي بالقول بعدم نجاسة الكافر ذاتاً كتابياً وغير كتابي، كالسيد فضل الله والشيخ ناصر مكارم الشيرازي، حيث قال في تعليقته على العروة الوثقى: »لا دليل على نجاسة الكفار، أما الكتابي فظاهر كثير من الروايات المعتبرة طهارتهم ذاتاً، وأن نجاستهم عرضية، وظاهر بعض آيات الكتاب العزيز أيضاً ذلك، ويظهر من غير واحد من الروايات استحباب التنزه مما في أيديهم اجتناباً عما يكون فيهم غالباً من النجاسات العرضية، وبها يجمع بين ما دل على الطهارة وما يظهر منه النجاسة ووجوب الاجتناب، وأما غير الكتابي فهو أيضاً لا دليل على نجاسته من غير فرق بين أقسامه وإن لم يدل دليل على طهارته لخروجه من سياق الأخبار جميعاً فيؤخذ فيه بأصالة الطهارة فيهم«[11] .

ومن الموارد التي تحتاج إلى تجديد بحث ما ذهب إليه مشهور الفقهاء من جواز غيبة المسلم المخالف في المذهب، وذلك يعني انتهاك حرمته المعنوية، وقد ردّ هذا الرأي بعض الفقهاء، وقرروا حرمة الغيبة لكل مسلم وإن كان مخالفاً في المذهب، ومن هؤلاء الفقهاء المحقق الأردبيلي والشيخ الآخوند الخراساني في كفاية الأصول، ويقول الفقيه الشيخ محمد آصف المحسني: »ثم إن ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن فيجوز اغتياب المخالف.

أقول: ظاهر الآية ﴿وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا[12]  هو العموم فإن المؤمن في عصر نزول القرآن أعم من المصطلح عليه اليوم، والأخوة في ذيل الآية غير مخصصة، لصدق الأخ الديني على المخالف أيضاً، وإنما وجب التبري من أهل البدع في بدعهم، وفي الجواهر وغيرها الإستدلال على الجواز من جهة جواز غيبة المتجاهر، إذا المخالف قد تجاهر بأعظم الفسق. وهو إستدلال عجيب فإن المخالفين لا يرون اعتقادهم وأعمالهم باطلة ومعصية وفسقاً حتى يكونوا متجاهرين بها، فهل يفتي هؤلاء الأجلة بجواز غيبة المؤمن المخطئ في بعض عقائده أو أعماله اجتهاداً أو تقليداً؟ والمتجاهر من تجاهر بالمعصية مع العلم بعصيانها. وعلى الجملة لا دليل لفظي يدل على جواز غيبة المخالف«[13] .

ومثل ذلك ما يتناقله الفقهاء من استحباب التضييق على الذميين والكتابيين في ظل الدولة الإسلامية في الطريق، واضطرارهم إلى أضيق الطرق، وسائر ما ذكروه في أحكام التعامل مع أهل الذمة من هذا القبيل.

فتاوى أين موقعها من الإنسانية


سئل أحد العلماء المعاصرين عن مشروعية إغاثة غير المسلمين، وغير المتمذهبين بمذهبه من المسلمين عند الكوارث، فكان جوابه بالرفض القاطع، بعبارات تنضح بالكراهية والازدراء للمخالفين في الدين والمذهب. وفيما يلي نص السؤال والجواب:

(س) غالباً ما تحدث الكوارث ومن الصعب التفرقة بين الناس أو التعرف عليهم هل هذا مسلم أو غير مسلم فهل يصح للمؤسسات الخيرية مساعدتهم بغض النظر عن هويته؟

الجواب: نرى أن على المؤسسة الحرص على تخصيص المسلمين بالإغاثة وسد الحاجة وعدم دفع المساعدات لغير المسلمين الذين هم من أعداء الدين ولو ماتوا جوعاً، ولو قتلهم البرد أو الحر أو الغرق أو الهدم لاعتبار ذلك عقوبة من الله لهم على كفرهم وبدعهم، وكما أن الكفار من الدول الكبرى يتبرعون لمن هم على دينهم، ويخصون من هو على نحلتهم وطريقتهم، ولا يعطون المسلمين إلا إذا طمعوا في ردهم عن دينهم كما تفعل الرافضة والنصارى، أما إذا شق التمييز بين المسلم وغيره كما لو كان هناك مجاعة شديدة، جاز أن يأكل غير المسلم مع المسلمين، أو يعطى معهم من الأطعمة ونحوها إذا جهل حاله.

(س) إذا كان الأغلب غير المسلمين فهل يجوز مساعدتهم لتواجد الأقلية المسلمة؟


الجواب: لا يجوز مساعدة غير المسلمين لا في مجاعة ولا في غرق أو هدم، ولا في علاج مرض أو نحوه، بل تخص المساعدة بالمسلمين إذا تميزوا وعرفوا، فإن حصل اشتباه جاز إعطاء غير المسلمين إذا جهلت حالتهم واختلطوا بالمسلمين وشق التمييز بينهم.

(س) إذا كان المتضررون أغلبهم مبتدعة فهل يجوز للمؤسسات الخيرية الإسلامية مساعدتهم؟


الجواب: لا يجوز للمسلمين مساعدة المبتدعة كالرافضة والقبوريين وأهل الديانات المبتدعة كالنصيرية والدروز والقاديانية والسيخ والبريلوية والبعثية ونحوهم، وذلك أنهم يحاربون أهل السنة ويحرصون على ما يضر بالمتمسكين، وإذا كانوا كذلك فليسوا أهلاً للمساعدة، ويعتبر ما أصابهم من غرق أو خسف أو قحط أو مرض كعقوبة من الله فلا تجوز إغاثتهم، بل تختص الإغاثة بأهل السنة والجماعة.

(س) هل يجوز دفع الزكاة لأهل البدع؟ دفعاً لشرهم أو تأليفاً لقلوبهم؟

الجواب: يجب على المسلمين من أهل السنة بغض أهل البدع ومقتهم وتحقيرهم كالرافضة والمعطلة والقبوريين والأباضيين، كما يجب على المسلم عند كثرتهم وتمكنهم في البلاد البعد عنهم للتخلص من شرهم، فإن لم يقدر أو لم يكن له حيلة في الهجرة جاز له تأليفهم ودفع شرهم بما يندفعون به ولو بجزء من الزكاة، واعتبروا من المؤلفة قلوبهم.

(س) إذا لم يوجد غير المبتدعة في منطقة ما فهل يتم مساعدتهم؟

الجواب: لا يجوز مساعدتهم لما فيه تقوية لمعنوياتهم وإظهار لبدعتهم، فإن تمكنهم يكون فيه إذلال وإهانة لأهل السنة، فعلى المسلم من أهل السنة أن يسعى في كل ما فيه إهانة للمبتدعة، فلا يتخذهم عمالاً وخداماً، كذا لا يخدمهم ولا يتعامل معهم بما يقوي معنوياتهم أو يروج منتجاتهم، ولا يشتري من بضائعهم، لكن إذا لم يستطع التخلص من شرهم جاز له دفعهم بقدر ما يخلصه من أذاهم. [14] 

إن مثل هذا الخطاب وهو كثير في الساحة الإسلامية، ومنه ما يأتي في صيغة الدعاء في خطبة الجمعة بالهلاك لجميع اليهود والنصارى والكفار والمخالفين في المذهب من المسلمين، وترميل نسائهم وتيتيم أطفالهم، نعم إن مثل هذا الخطاب هو الذي خلق أرضية توجهات العنف والإرهاب التي تعاني منها الآن بلاد المسلمين وبلاد العالم، مما شوه سمعة الإسلام والمسلمين وأوصلها إلى الحضيض.

إن استباحة دماء غير المسلمين، والتمثيل بجثثهم، وقطع رؤوسهم، ثم التفاخر بتصوير تلك المشاهد القاسية تحت لافتات وشعارات إسلامية، وبثها للرأي العام العالمي، هو ثمرة مرّة لمثل هذه الطروحات والخطابات، وفي أكثر من حادث إرهابي، كان الإرهابيون يسألون من يقعون في قبضتهم عن أديانهم فمن كان مسلماً قد يطلقون سراحه ومن كان غير مسلم يعاجلونه بالقتل.

ومن أواخر النماذج ما نقلته جريدة الحياة عن حادث اقتحام القنصلية الأمريكية في جدة بتاريخ 7/12/2004م: حيث وصف نائب رئيس قسم الحركة المناوب في القنصلية الأمريكية في جدة صلاح عبد القوي عبد المحسن للحياة لحظات رعب عاشها عندما سأله المهاجمون عن ديانته فقال لهم: »مسلم.. مسلم« فطلبوا منه أن يتلو سورة الفاتحة فوراً »قرأتها متلعثماً ولم أصدق أنهم توجهوا بالسؤال للذي بعدي في الصف ونحن وقوف رافعين أيدينا في وضعية استسلام« وأضاف: »بعد ما قرأ الفاتحة اثنان ممن استخدموا كدروع بشرية، جاء دور فلبيني غير مسلم ولم يتل الفاتحة واعترف بأنه غير مسلم فقتلوه مباشرة برصاصة في رأسه«[15] .

كرامة الإنسان أصل وقاعدة


إن التأمل في الآية الكريم ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ينبغي أن يؤدي إلى تقرير أصل التكريم للإنسان كمبدأ فكري، وقاعدة فقهية، لا يصح تجاوزها إلا بمبرر مشروع ودليل واضح صحيح.

وانطلاقاً من هذا الأصل تحدث الفقيه الشيخ المنتظري في دروسه الفقهية العالية (البحث الخارج) حول حرمة الإنسان، ناقداً تخصيص هذه الحرمة بالمؤمن فقط، ومما جاء في بعض تلك الدروس ما يلي: »إن ظلم الناس غير جائز بحكم العقل، وبحكم الكتاب والسنة أيضاً. نحن نعتقد أن القرآن إذ يقول: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ فهو يقصد أن بني آدم مكرمون لأنهم بنو آدم. فحينما يقال حقوق الإنسان، معنى ذلك أن للإنسان شرفه وكرامته بما هو إنسان حتى لو كان كافرا، لأن الإنسان محترم بذاته عند الله، وهذا صريح معنى الآية. ويقول علي في عهده لمالك الأشتر: »الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق« وبالتالي فإن للإنسان حرمته بما هو إنسان.

وفي حرمة السبّ يمكن كذلك اعتماد الآية ﴿وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وليس فيها قيد المؤمن والمسلم. يقول الله أنه يكره اختلاق الألقاب السيئة. ويقول أيضاً ﴿لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ ولا يقيد ذلك باعتناقهم الإسلام، لأن الله أراد أساساً أن تكون العلاقات الاجتماعية سليمة، ولا يخاطب الناس بعضهم بعضا بالسوء. إنه حكم يشمل غير المسلمين أيضاً. وعلى الأقل فإنه يشمل المسلمين سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين. إذا آمنتم فلا يحق لكم إهانة مؤمن آخر أو إهانة شخص غير مؤمن، مقتضى الإيمان أن يكون الإنسان رصيناً ولا يتكلم بالترهات.

السب مذموم عند الله في نفسه، سواء كان ضد مؤمن أو ضد غير مؤمن، ثمة رواية عن أبي بصير تقول: »لا تسبوا الناس فتكسبوا العداوة« وليس في هذه الرواية أيضاً قيد المؤمن أو المسلم، فهي مطلقة تشجب سبّ الإنسان على نحو العموم. غاية ما يمكن أن يقال هو أن سبّ المؤمن أسوء من سبّ غير المؤمن.

من الناحية العرفية والارتكازية يُعد القول بأن سبّ المؤمنين وذوي الشخصيات المحترمة أسوء من سب الأشخاص المستهترين المتميعين قولاً صائباً. أي أن كل شخص عادي في المجتمع مهما كانت عقيدته وميوله يحكم بأن سب الشخصيات المحترمة أقبح من سب المنحطين أخلاقياً وأشد وطأة على الوجدان العام«[16] .

نشير هنا إلى ما ذكره الفقهاء من تأديب أي مسلم بتعزيره إذا قذف إنساناً ولو كان مشركاً[17] ، وجاء في الوسائل عن الإمام الصادق تعزير من افترى على أحد من أهل الذمة[18] .
[1] كيالي: عبدالوهاب، موسوعة السياسة، ج6 ص546، الطبعة الأولى 1990م، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.

[2] سورة المائدة آية 18.

[3] سورة آل عمران آية 75.

[4] سورة الممتحنة آية 8-9.

[5] فضل الله: محمد حسين، تفسير من وحي القرآن، ج6 ص110، الطبعة الثانية 1998م، دار الملاك، بيروت.

[6] سورة الإسراء آية 70.

[7] الطباطبائي: محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج13 ص152.

[8] الألوسي البغدادي: السيد محمد شكري، روح المعاني في تفسير القرآن، ج15 ص117، الطبعة الرابعة 1985م، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

[9] شمس الدين: محمد مهدي، جهاد الأمة، الطبعة الأولى 1997م، دار العلم للملايين، بيروت.

[10] وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ـ الكويت: الموسوعة الفقهية ج35 ص23، الطبعة الأولى 1995م.

[11] الشيرازي: ناصر مكارم، تعليقات على العروة الوثقى، ص27، الطبعة الثانية 1413هـ، مدرسة الإمام أمير المؤمنين، قم.

[12] سورة الحجرات آية 12.

[13] المحسني: محمد آصف، حدود الشريعة ـ المحرمات، ج2 ص77، الطبعة الثانية.

[14] هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، مكتب الأحساء، 100 سؤال وجواب في العمل الخيري، ص7-12، الطبعة الأولى 1423هـ،.

[15] الحياة: صحيفة يومية تصدر من لندن، الأربعاء 8/12/2004م.

[16] باقي: عماد الدين، تقريرات درس آية الله منتظري، بعنوان حقوق الإنسان أم حقوق الإنسان المؤمن؟ النزعة الإنسانية والإسلام، قم 1424هـ، www.montazeri.ws.

[17] ابن قدامة، المغني ج12 ص399.

[18] الوسائل حديث رقم 34560.