شخصية المبادر

هناك عناصر وعوامل تخلق روح المبادرة في شخصية الانسان ومن اهمها مايلي:

1ـ الوعي والمعرفة:


بمقدار معرفة الانسان ومتابعته لاي مجال من المجالات، يستكشف الفرص فيه، وتتضح له الامكانيات ضمنه، وذلك اول شرط من شروط المبادرة، فالجاهل بالاوضاع الاقتصادية، ومن لا يتابع حركتها وتطوراتها، لا تخطر بباله فرص الاستثمار، ولا يدرك مواقع الاستفادة والربح، وحتى لو امتلك المال والثروة لكنه لا يلتفت الى افضل سبل تنميتها وتفعيلها، وهكذا الحال في المجال السياسي او الاجتماعي.

كما ان الوعي العام بطبيعة الحياة، ومجريات الامور، وطريقة التعامل مع القضايا والاحداث، هو الذي يجعل الانسان مهيأ للتعاطي مع الظروف المختلفة، وقادرا على فهم معطياتها.

2ـ الثقة بالذات:


بعض الناس ترد على اذهانهم افكار جيدة، لكنهم يهملونها لانهم يشكون في قدرتهم على انتاج وادراك الافكار الصحيحة ويتساءلون اذا كانت تلك الفكرة سليمة لماذا لم يدركها فلان وفلان؟ ولماذا لم يقل بها فلان وفلان؟

وفي مستوى آخر من ضعف الثقة بالنفس، يشكك البعض في امكانياتهم واهليتهم الذاتية، لتحقيق هذا الانجاز، او القيام بتلك المهمة.

بينما ينطلق المبادر من ثقة عميقة بذاته، وانه لا يقصر عن غيره في القدرات والمؤهلات، ولا يقعد به شيء عن الريادة والابداع.

فاذا ما اقتنع بفكرة ووجدها صحيحة سليمة، لم ينتظر اقتناع غيره لكي يأخذ هو بتلك الفكرة، واذا سنحت امامه فرصة لم يتردد في استغلالها ولا يرى ان غيره اولى بها او اقدر عليها.

3ـ الاستعداد للتضحية والعطاء:


اقتحام الانسان لما ليس مألوفا، وارتياده لميادين جديدة، وساحات غير مطروقة يعني خوض مغامرة محفوفة بمختلف الاحتمالات، وهي تكلف عناء وجهدا كما تعرض صاحبها للنقد والاعتراض وهذا ما يقعد بالكثيرين عن المبادرات خوفا من الفشل او تهيبا من المخالفة لكن المبادر الشجاع يتوكل على الله ويستعد للتضحية والعطاء في سبيل ما اتضح له انه حق وصواب.

4ـ الفاعلية والنشاط:


فالمبادرة تعني الحركة والاقدام، ومن اصيب بداء الكسل والخمول والتواني، لا يكون مبادرا ابدا يقول الامام علي : «التواني اضاعة» اذا ما اتيحت للانسان فرصة تقدم، فعليه ان يبادر لاغتنامها لأن بقاءها واستمرارها غير مضمون، وغالبا فان «الفرصة تمرمر السحاب» كما يقول الامام علي وعودة تلك الفرص او تكرارها ليس محرزا ولا سريعا، فهي «سريعة الفوت بطيئة العود» كما في كلمة اخرى عنه وهذا يعني الاستعداد والتهيؤ لاقتناص الفرص نفسيا وعمليا يقول احد المفكرين: كما الطيور التي تقفز في السماء تطير بخفة وسرعة فاذا اردنا اصطيادها فلا بد ان نهيىء السلاح مسبقا ونفتح عيوننا جيدا حتى اذا مرت رميناها فورا والا فلن نحصد الا الحسرات.. كذلك الفرصة تقفز في الزمن مثل الشهاب، فمن ارادها فلا بد ان يتهيأ لها سلفا، فيرميها بنبال مبادرته والا فان «اضاعة الفرصة غصة» ونظرا الى ان «الفرصة خلسة» فان من اخر الفرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها فالايام ليست ثابتة، والزمن ليس جامدا، ولذلك فان الفرص تظهر وتختفي على دقات الساعة من هنا كانت المبادرة من صفات العظماء.

من ناحية اخرى فان الانسان اذا ما سوَّف وتماهل ولم يبادر فانه بالاضافة الى احتمال فوت الفرصة، قد يفقد هو القدرة والامكانية، فاستمرار حياته ليس بيده، كما لا يضمن صحته، والحفاظ على مستوى نشاطه، ودوام وسائل وآليات الحركة عنده، ويعبر عن هذه الاحتمالات قول الامام علي : «وبادروا بالاعمال عمرا ناكسا، او مرضا حابسا، او موتا خالسا».

وقد تبقى الفرصة موجودة، وقدرات الانسان وامكانياته محفوظة، لكنه اذا لم يبادر مع مرور الزمن قد يفقد حماسه واندفاعه.
روي عن رسول الله : «من فتح له باب خير فلينتهزه فانه لا يدري متى يغلق عنه».

مجتمع المبادرات:


كما يتفاوت الافراد في مستوى استجابتهم لفرصة التقدم والخير، بين مبادر وخامل كذلك تتفاوت المجتمعات، بين مجتمع تكثر فيه المبادرات، للاستفادة من اي فرصة، ولمعالجة اي مشكلة او خلل وذلك هو المجتمع الحي الناهض المتحضر. وبين مجتمع يسود اجواءه الخمول والتواكل فلا يفعل الامكانيات المتاحة له ولا يستثمر الفرص من اجل حل مشاكله او تطوير واقعه وانما يكتفي افراده باجترار الالم والاسى او يترامون المسئولية وتنتظر كل جهة مبادرة الجهة الاخرى.

ان مجتمعاتنا تواجه تحديات خطيرة لقيمها واخلاقها، ولاستقرارها ومصالحها، وتمتلك من الامكانيات والقدرات والكفاءات ما يساعدها على مواجهة هذه التحديات والاستجابة لها، لكن المشكلة تكمن في ضعف الحركة والفاعلية، وغياب المبادرات.

يتحدث الناس في مجالسهم عن الكثير من النواقص والمشاكل، ولا يخلو مجتمع منها، ولكن الى متى نكتفي بالحديث عن المشكلة؟ ومن ياترى يتحمل مسئولية المبادرة الى الحل؟ والسعي نحو العلاج؟

يتحدث البعض عن المفروض كذا ويجب ان يحصل كذا ولابد ان يتحقق كذا، فيوزعون الواجبات والمفروضات على الاخرين، دون ان يحددوا هم ماهو دورهم وواجبهم وماذا عليهم ان يفعلوا؟

اننا لسنا بحاجة الى فلاسفة او متفلسفين، ولا الى منظرين ومحللين بمقدار ما نحن بحاجة الى من يعلق اجراس المبادرات العملية التي تعالج قضايا المجتمع ومشاكله.

فحينما يجري الحديث عن حالة الضياع والفراغ التي يعيشها الكثير من الشباب او ظاهرة انتشار بعض المفاسد والانحرافات، او وجود حالات من العوز الفقر، او ركود في حركة الثقافة والمعرفة او اي قضية تثير القلق على مستقبل المجتمع فان المطلوب هو تجاوز حالة التوصيف للمشكلة الى وضع الحلول والمعالجات العملية التي نتحمل مسئوليتها.

ان الله سبحانه وتعالى يحذر عباده المؤمنين من ان يصبح الكلام عندهم بديلا عن العمل ومن ان يكتفوا بالقول عن الفعل يقول تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا مالا تفعلون..

ويوبخ الامام علي مجاميع ممن حوله من الذين يتحدثون في المجالس بصوت عال، ويزايدون على بعضهم في الحماسة والاندفاع، لكنهم يتراجعون ويجبنون ساعة الجد والمواجهة والعمل يقول: «كلامكم يوهي الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الاعداء! تقولون في المجالس كيت وكيت، فاذا جاء القتال قلتم حيدي حياد»!.

وما اشد انطباع هذا الكلام على الكثيرين من الناس الذين يتحدثون عن بعض المشاكل بحماس واندفاع في المجالس، فاذا ما طلبت منهم عملا او دورا تفننوا في تقديم الاعذار والمبررات!!

ولابد ان نشيد هنا بالمبادرات الطيبة التي يقوم بها افراد مخلصون من ابناء المجتمع كالقائمين على نشاط الجمعيات الخيرية ولجان كافل اليتيم، وصناديق الزواج الخيري، ومهرجانات الزواج الجماعي، وبرامج التوعية والتثقيف الدينية.. انهم يسدون بذلك ثغرات في واقع المجتمع، فجزاهم الله خير الجزاء، لكن قضايا ومشاكل اخرى تنتظر مبادرين اخرين.
 

الأربعاء 4 رجب 1423هـ الموافق 11 سبتمبر 2002م، العدد 10680