مآلات التكفير

 

تحدث سماحة الشيخ حسن الصفار في الليلة الثالثة والرابعة من شهر محرم الحرام عن: ”اتجاهات التكفير في التراث الديني“، حيث قال أن التكفير له آثار خطيرة ومدمرة ليس على الفرد المؤمن بالفكر التكفيري فقط بل يمتد إلى كل شيء فهو لا يدر شيء إلا ودمره، كما أشار الشيخ الصفار إلى أن الفرد بمجرد قول الشهادتين يستحق الهوية الإسلامية، حيث عبر عنه ب ”استحقاق الهوية“، وكذلك سلط الضوء على اتجاهات الفكر التكفيري في تاريخ العالم الإسلامي وما سببته هذه الاتجاهات التكفيرية من آثار مأساوية على الواقع الإسلامي القديم والمعاصر.

التكفير الديني لم يكن وليد اللحظة، ولا هو فكرة طارئة في عالمنا الإسلامي بل له تاريخ طويل لم تنته فصوله بعد لدى الجماعات التكفيرية التي تستغل الدين في تحقيق أهدافها السيئة والقذرة في التدمير والتخريب، يشير الدكتور عبدالإله بلقزيز في كتابه الإسلام والسياسة إلى ذلك بقوله: ”لم يخرج هذا التكفير إلى الوجود بغتة؛ بل إن له جذورا وسوابق في التاريخ الثقافي: العربي والإسلامي، وإن كانت شروطه الموضوعية ذات أثر حاسم في وجوده المتجدد“.

كذلك إشكالية الجماعات التكفيرية أنها مولعة باحتكار الحقيقة المطلقة حيث لا أحد مؤمن غيرهم، ولا أحد يفقه في دين الله سواهم، وعلى هذا الأساس ينصبون أنفسهم حراس للعقيدة والمدافعين عنها، وغيرهم في ظلال مبين لا يحق لهم العيش، ومصيرهم القتل لأنهم أصبحوا كفار حلال قتلهم والنيل منهم حتى ولو كانوا مسلمين، يقول الكتور عبدالإله بلقزيز في هذا الجانب: ”إن الإيمان بحيازة الحقيقة المطلقة، هو الطاقة الحيوية التي تتزود بها فكرة التكفير، وتستمد منها الشرعية“. أي هم يحتكرون الحقيقة ثم يبدأ الفرز بحسب قياساتهم الموغلة في الغلو والتطرف.

وبالمناسبة كنت استمع لمحاضرة إلى الشيخ حيدر حب الله كانت بعنوان ”دور العالم والمثقف في قضايا الأمة الكبرى“ كان يتحدث عن مصطلح لطيف «رجل الدين المقاول والمثقف المقاول»، بمعنى أن هؤلاء يعملون وفق المصلحة التي توفر لهم ما يملي عليهم جيوبهم ولا يهمهم لا قيم ولا مبادئ سوا المصلحة الشخصية لا غير، ما أود الوصول إليه هنا أن حصول الجماعات التكفيرية على مثل هؤلاء الذين يمتلكون المهاراة المعرفية التي تؤهلهم لأن يكونوا الناطق باسم هذه الجماعات التكفيرية كاف لأن يعطيهم شرعية اجتماعية ويوجد لهم التبريرات لأعمالهم الإجرامية، وهذا ليس بعسير على من يمتلك المال من الجماعات التكفيرية.

يختم الشيخ حسن الصفار محاضرته بقوله: ”إذا لم يجر غربلة التراث الديني فسنكون على موعد مع ظهور تيارات تكفيرية جديدة في كل زمن“، وأشار أيضا إلى: ”إن الأمة أمام معضلة كبيرة مع تيارات الممانعة لتنقية التراث الديني التكفيري الذي بات اليوم متاحا للجميع“. لا سبيل للأمة الإسلامية إذا أرادت أن تتخلص من هذا البلاء إلا بتنقية التراث وتأسيس خطاب إنساني يتجاوز الأفق الضيق الذي بليت به الأمة الإسلامية، وهذا لا يتحقق إلا بتظافر الجهود في ذلك وهو مسؤولية يتحملها الجميع سواء النخب الدينية والعلمية والثقافية والفكرية إضافة إلى المؤسسات والمعاهد الدينية كذلك المراكز العلمية والثقافية والجامعات من خلال دعمها للبحوث العلمية في هذا الجانب.

في الختام نسأل الله أن يوفق سماحة الشيخ حسن الصفار لما فيه خير وصلاح لهذه الأمة، ويجعله الله مناراة في نشر الوعي والعقلانية والتسامح وكل ما هو نافع يجنب هذه الأمة الأزمات والشرور.