جديد الشيخ الصفار: الحسين مدرسة العطاء والأخلاق

محمد أحمد آل محسن

إحياء ذكرى سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين، واستشعار الحزن والأسى لمأساة عاشوراء الدامية، إنما يقصد منه تعزيز الولاء والانتماء لنهج الإمام الحسين، نهج الالتزام بالدين، والدفاع عن مصالح الأمة، ورفض الظلم والفساد والانحراف. فحب الحسين والتفاعل الوجداني العاطفي مع المصائب التي حلّت به وبأصحابه وعياله في كربلاء، يخلق الانشداد النفسي والانجذاب الروحي نحو شخصيته العظيمة، ويجب أن ينبثق منه الاندفاع نحو الاقتداء بالإمام الحسين والتأسي بسيرته ومكارم أخلاقه.

وقبل أن يثور الإمام الحسين على طاغية زمانه كان ثائراً في سلوكه وممارساته على نوازع الأنانية ومساوئ الأخلاق. فكانت حياته مدرسة في العطاء والأخلاق. وحينما نجتمع لنستعيد ذكرى أبي عبد اللّه الحسين لا يكفي أن نتفجع لمصيبته، أو نعجب ببطولته وصموده، إنما بالدرجة الأولى علينا أن نسعى للاقتداء به، والأخذ بهديه، وهذا يلزمنا أن نتعرف جوانب سيرته المشرقة، وأن نأخذ ونقتبس منها ما ينفعنا في دنيانا وآخرتنا.

بهذه الكلمات يبدأ سماحة الشيخ حسن الصفار مقدمة كلامات كتابه الجديد "الحسين مدرسة العطاء والأخلاق"، الكتاب الذي يقع في 56 صفحة من القطع المتوسط. يتطرق الكاتب لصفتين مهمتين من صفات الإمام الحسين قلما يتم التطرق لها في شخصيته العظيمة وهما: العطاء والأخلاق.

وهذا الكتاب الذي يتناول شخصية الإمام الحسين هو الكتاب السابع الذي للشيخ الصفار عن الإمام الحسين، حيث بدا الصفار أولى كتبه عن الإمام الحسين بكتاب "الحسين ومسؤولية الثورة"، وكتاب "الحسين في وجدان الأمة"، وكتاب "الإمام الحسين رمز التضحية والفداء"، وكتاب "الإمام الحسين الشخصية والقضية"، وكتاب "الحسين منهج الإصلاح والتغيير"، بالإضافة لكتاب "رسالة المجالس الحسينية"، وأخيرا هذا الكتاب الذي نسلط الضوء عليه "الحسين مدرسة العطاء والأخلاق".

يتحدث الشيخ الصفار في القسم الأول من الكتاب عن عطاء الإمام الحسين بالقول: "من الجوانب المهمّة في حياة الإمام الحسين وشخصيته، أنه مدرسة في العطاء، فحياته كانت مكرسة للعطاء، وأبرز مثال على ذلك شهادته، إذ كانت القمة والذروة في مسيرة عطائه فقد جاد بنفسه، والجود بالنفس أقصى غاية الجودِ. سخاء الإمام ينطلق من مفهومه ورؤيته، فإننا لو اطلعنا على كلمات الإمام الحسين لرأيناه يضع منظومة متكاملة حول فلسفة المال والتعامل مع الثروة والإمكانات المتاحة في الحياة، يقول في كلمة له: مالك إن لم يكن لك كنت له، فلا تُبْقِ عليه، فإنه لا يبقي عليك، وكُلْهُ قبل أن يأكلك. ويقصد الإمام بذلك أن مالك هو لك ما كنت له منفقًا، وأما المتبقي فهو ذخيرة لغيرك، وتكون أنت المحاسب عليه، والمطالب به، وأنت لا تبقى لمالك، فَكُلْهُ قبل أن يأكلك.

ويربط الشيخ الصفار ذلك بالموضوع الاجتماعي فيقول: "من الخطأ ما يعتقده البعض من أنه لِيصبح ذا علاقات وجاه ينبغي أن يكون ثريًّا، فهذا مفهوم غير صحيح، لأن المجال مفتوح للعلاقات من خلال المعاشرة الطيبة، وخلق علاقات حسنة مع مختلف الأطراف، وهناك أشخاص لم ينطلقوا من موقع ثروة ولا من موقِع إمكانات، لكنهم تعرفوا إلى الناس وكونوا صداقات معهم، فخَدموا غيرهم واندمجوا، وأصبحت لهم شخصية ومكانة في المجتمع". مشيرا إلى ان معظم أبناء مجتمعنا يميلون إلى الانغلاق على أنفسهم، وصداقاتهم قد لا تتجاوز مناطق سكنهم، ولا يهتمون ببناء جسور العلاقة والانفتاح مع الآخرين، ليكونوا معروفين وأصحاب مكانة وجاه على المستوى الوطني.

مضيفا: "الإنسان في هذه الحياة يكون تحت تصرفه مال، قلَّ ذلك المال أو كثُر، وهناك من يعطيه اللّه سبحانه و تعالى سعة في المال والرزق، لكن الموفقين من هؤلاء هُم الذين ينفقون أموالهم على خارج دائرتهم واهتماماتهم الشخصية، في المصلحة العامة، مصلحةِ المجتمع وخدمة الناس، بينما البعض الآخر من الأثرياء المتمكنين لا تكون لديهم هذه الحالة من روح البذل والعطاء، لأن من طبيعة الإنسان أن تكون نفسُه شحيحةً، ولذلك يقول اللّه تعالى: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.

وفي الجانب الآخر من الكتاب، يتحدث الشيخ الصفار عن جانب الأخلاق في حياة الإمام الحسين. في البداية يقول الصفار: "إذا استقرأنا الروايات والأحاديث التي تتحدث عن الأخلاق، فإننا سنجدها تعطي للأخلاق مكانة عُلْيَا فوق هذه الكفاءات والملكات، وهذا ما نشعره بوجداننا وفي واقعنا الخارجي، فمهما كانت نقاط القوة عند الإنسان كثيرة، من: علم أو مال أو سلطة أو شرف ونسب أو ما أشبه ذلك، فإنه تبقى لأخلاقه الأثر الحاسم على مكانته عند الناس، فتتعزز إذا كان صاحب خلق جميل، وتكبر هذه المكانة مع كفاءته. أما إذا كانت أخلاقه سيئة فإن سوء الخلق عنده يضعف تأثير كفاءاته ونقاط قوته الأخرى.

ويتحدث الشيخ الصفار عن شخصية الإمام الحسين بالقول: نحن عادة ما نتحدث عن الحسين الثائر، والشهيد، والمظلوم، كما نتحدث عن جانب البطولة أو المأساة في شخصيته، ولكن ما يجدر بنا أيضًا أن نتحدث حوله هو عن المدرسة الأخلاقية للإمام الحسين، كيف كانت أخلاق الإمام الحسين، وكيف كان تعامله مع من حوله، وذلك حتى نطالب أنفسنا ونمتحنها في ولائها للإمام الحسين، إذ لا يكفي أن نبكي على مصيبته وننشدُّ لذكراه، بل إن ذلك مجرد وسيلة، والهدف هو الاقتداء به، والتأسي بشخصيته، وأن نسير باتجاه شخصيته المحلقة في أفق الكمال، حتى يصل كل واحد منا إلى المقدار الذي يدركه ويتمكنه.

ويشير الشيخ الصفار إلى ان الأخلاق الحسنة تعني ألا نسيء لأحد، بل من الأخلاق الحسنة أن يتحمل الإنسان إساءات الآخرين، وهذا ما نجده في سيرة الإمام الحسين حين جاء رجل إليه وقال له: "إن فيك كِبْرًا"، ـ وفي العادة لا يتحمّل أحد أن يأتي شخص ويواجهه بهذه العبارة، وبخاصة إذا كان في موقع وجاهة، أو زعامة، في مثل هذه الحالة غالبًا ما يفقد الإنسان السيطرة على انفعالاته وضبط أعصابه، لكن الإمام الحسين يستقبل هذا المسيء بابتسامة هادئة، ويقول له: "الكِبْرَ للّه وحده ولا يكون في غيره". إن التعامل الحَسَن مع المحسن لا فخر للإنسان فيه، فعندما تُلْقَى قصيدة في مدح أحد الأشخاص فيبدي له احترامه، هذا ليس من موارد الفخر والاعتزاز، ولكن ما يشعر بالفخر والاعتزاز أن يتحمّل الإنسان مواقف الإساءة، بحيث يضبط أعصابه وردّات فعله.

لقراءة الكتاب:

الإمام الحسين مدرسة العطاء والأخلاق