د. محمد علي الهرفي للوطن السعودية: مع الصفار في مكاشفاته

أحسب أن عبدالعزيز قاسم من الكفاءات الصحفية المتميزة، هذه الكفاءة جعلت «الرسالة» التي تولى عبء الإشراف عليها ذات طابع متميز وأحسب أن «المدينة» لا يمكن لها أن تكون شيئاً بدون «الرسالة» التي حملتها.. السيد عبدالعزيز يتحفنا بين الحين والآخر ببعض المكاشفات الجيدة وآخر ما قرأت من مكاشفاته تلك المكاشفة التي أجراها مع الشيخ حسن الصفّار، وفي هذه المكاشفات نقاط تستحق الوقوف عندها، ولأن هذه النقاط كثيرة فإني سأختار بعضها بحسب أهميتها من وجهة نظري.

وفق عبدالعزيز في اختيار الشيخ حسن الصفار فهو شخصية اجتماعية معروفة ومتميزة وله طروحات ينبغي الوقوف عندها وكثير منها يتجه لتقوية الوحدة الوطنية وإزالة ما يمكن إزالته من الفوارق بين الطائفتين، السنية والشيعية وله كتابات كثيرة في هذه الموضوعات أحسب أننا بحاجة ماسة لمثلها في هذه الأيام.. من النقاط التي تحدث فيها الشيخ قضية الولاءات والانتماءات وما يثار من حديث حولها وأن الشيعة في بلادنا يتجه ولاؤهم للخارج بسبب الحالة التي يعانونها.

الشيخ أوضح أن هذه المسألة تدخل في نطاق الإساءة للطائفة الشيعية وذكر أن بعض الأفراد قد يوالون غير بلادهم من الطائفتين وهنا يجب عدم التعميم والاكتفاء بذكر الأشخاص فقط. لعلي هنا أتفق مع الشيخ وأؤكد أن أعداء بلادنا يستغلون كل ثغرة تتاح لهم لاختراق حصوننا والدخول معها للوصول إلى أهدافهم السيئة، وهنا لا يفرق هؤلاء الأعداء بين طائفة وأخرى فالمهم حصولهم على مآربهم ثم يضربون الجميع فالذي يخون وطنه لا يستحق الاحترام حتى من الذين خان وطنه من أجلهم. وأمامنا ظاهرة أفغانستان والعراق فالذين تعاونوا مع الاحتلال الأمريكي في كلا البلدين كانوا من جميع الطوائف وعندما تمكن العدو من بلادهم ضربهم جميعاً وأبقى على من يتماشى مع رغباته ويحقق له أهدافه.

إن كل فرد ينبغي أن يدرك وبوضوح شديد أن التعاون مع العدو لن يحقق له شيئاً غير الاحتلال والدمار وأن الإصلاح يجب أن يكون بإرادة المواطنين ومنهم وحسب عقائدهم.. ومن هنا فإني أحيي الشيخ حسن عندما أكد على هذه المسألة بصورة عملية في بيانه الذي أصدره رداً على ادعاء الأمريكان بوجود تفرقة دينية في المملكة وأحسبهم يعنون بهذا البيان الطائفة الشيعية وذكر صراحة أنهم لا يعانون أي لون من التفرقة وإذا حصل شيء من هذا فإنهم سيبحثونه مع حكومتهم وليسوا بحاجة إلى الآخرين لتحقيق أهدافهم.


الأستاذ علي الأحمدمدير المعهد السعودي بواشنطنوفي هذا السياق فإني أستغرب حديث السيد علي الأحمد الذي ألقاه أمام لجنة في الكونجرس الأمريكي وطالب فيه الأمريكان بالتدخل في بلاده لحل مشكلاتها حسب فهمه مركزاً على التفرقة الدينية. وأعجب من طريقة طرحه وهو يرى أكثر من سواه ما فعله الأمريكان في العراق وكيف يمارسون الإبادة الجماعية في الفلوجة فهل يتوقع من أمثال هؤلاء أن يحققوا له شيئاً وهل هذا هو الطريق للإصلاح؟ الشيخ حسن قالها صراحة «أريد أن أقول وأعلنها بصوت واضح لكل المسلمين ولكل أبناء المنطقة بمختلف اتجاهاتهم بأن المراهنة على الأمريكيين مراهنة على سراب» ثم ذكر الشيخ وفقه الله أن من واجب الحكومات العربية أن تبادر لكسب شعوبها وأنها لن تصل إلى ذلك بدون إصلاحات شاملة تجعلها مع شعوبها في خندق واحد وهي إن لم تفعل ذلك فستقدم خدمة جليلة للأمريكان ولكل أعداء الأمة أكثر مما يقدمه أي شخص آخر.

نقطة أخرى تستحق الوقوف عندها وهي مسألة التحريض الذي يمارسه بعض الأشخاص من الفئتين ضد الفئة الأخرى.. الشيخ وقف عند هذه النقطة طويلاً وأحسبه محقاً في هذه الوقفة فمجتمعنا لا يتحمل هذه الأفعال وهو في ظرف أحوج ما يكون فيه إلى الالتحام والوفاق. أعرف - كغيري - أن هناك نقاط اختلاف بين السنة والشيعة وأعرف أن هذا الاختلاف سيبقى إلى قيام الساعة وأعرف أنه لم يظهر الآن ولهذا كله أحسب أن المصلحة أن يتجاوز الجميع هذه النقاط ويبحثوا عن نقاط الالتقاء وهي كثيرة جداً وإذا كان هناك أفراد من الطائفتين يرون استحالة تجاوز نقاط الاختلاف فإن هناك أعداداً لا ترى ما يرى أولئك ولديها من التفاؤل بتحقيق أكبر قدر ممكن من التلاحم الذي يخدم الوطن بكافة أفراده.

نقاط الالتقاء تحدث عنها الشيخ كثيراً كما تطرق مع مكاشفه عن نقاط الاختلاف وأبدى رأيه فيها. ومرة أخرى لا أجد من المناسب في مقال كهذا أن أقف عند تلك النقاط وعليّ أن أقول إن المصلحة المشتركة أن نوقف استعداء كل طرف على الآخر ومن هنا فإني أستغرب - مثلا - من هيئة الإغاثة أن تصدر كتابا تكفر فيه الشيعة، كما أستغرب من صحيفة سعودية أن تنشر مقالاً لأحدهم يرى فيه استحالة الانتصار على الأمريكان ما دام فيهم مبتدعة وخارجون على الدين ويضرب مثلاً لذلك بالشيعة والبعثيين.

وفي الوقت نفسه يجب أن يوقف معتدلو الشيعة كل الأصوات النشاز التي تكفر السنة أو رموزهم. هذه الأصوات لا تحقق للوطن إلا الإساءة والتفرقة.. لقد أعجبت بما قاله الشيخ في قناة «الأوائل» وهو يشبه المسلمين عموماً بأنهم يعيشون في بيت واحد فيه حجرات بعضها يسكنها شيعة وأخرى يسكنها سنة. وقال: لا أرى مانعاً أن يخرج أحد ساكني هذه الحجرة ليدخل في الحجرة الأخرى.. أي إنه قال بطريقة أكثر وضوحاً: إنه لا يرى مانعاً أن يتحول الشيعي إلى سني والعكس ما دام الجميع يعيشون تحت لواء الإسلام.. تمنى الشيخ كثيراً أن يكون هناك لقاءات وحوارات بين مختلف المذاهب وأن يتولى العلماء والمثقفون هذه المسألة ليفهم كل طرف الآخر على حقيقته ومن ثم يستطيع التعايش معه بصورة صحيحة بعيداً عما يسمعه كل طرف عن الآخر إما من خلال كتب لا يتفق الجميع على صحتها أو من خلال إشاعات لا تهدف إلى مصلحة أحد. وأجد أن هذا الطرح في غاية الموضوعية وينبغي على علمائنا أن يبادروا إلى تفعيله فتكثر لقاءاتهم مع الآخرين وليتحدثوا بكل صراحة عما يجول في خواطرهم فهم يعيشون في بلد واحد ولا ينبغي أن يحمل أبناء هذا البلد عداء لبعضهم البعض ما دام أن هناك فرصاً حقيقية للتفاهم والتعايش.

هناك نقاط كثيرة جاءت في هذه المكاشفات ولكن ضيق المساحة يمنع من تناولها.. ويكفي أن أقول إن الهدف الأسمى الذي يجب أن يسعى إليه كل فرد هو العمل على تقوية وحدتنا الوطنية تحت مظلة الإسلام وأن نبتعد عن الفرقة والاختلاف فهما أول طريق يوقعنا في ذل الضعف والعبودية للأعداء.. الخلاف سيبقى ولكنه يجب أن ينحصر في أضيق الأماكن والخلاف ليس مشكلة فهو موجود بين كل طوائف الدنيا وأفرادها وموجود بين العائلة الواحدة. المهم أن نجعل منه عامل قوة وليس عامل ضعف فالتنوع قد يكون طريقاً للقوة والتلاحم والبناء.. هل يمكن أن نفكر بهذه الطريقة؟ دعونا نجرب.