الشيخ الصفار يتحدث عن: المرأة وتحديات الحياة العصرية (حوار)

مكتب الشيخ حسن الصفار

استضاف منتدى الحوار بواحة سيهات [1]  سماحة الشيخ حسن الصفار حفظه الله في ندوة حوارية تحت عنوان: (المرأة وتحديات الحياة العصرية)، مساء يوم الأربعاء ليلة الخميس 23 جمادى الآخرة 1421هـ الموافق 21 سبتمبر 2000م، حيث استمر الحوار لمدة ثلاث ساعات تقريبًا، وقد أجاب سماحته عن العديد من التساؤلات والمداخلات التي قدّمها المشاركون والمشاركات، ولم يتسع الوقت للإجابة عن بعض الأسئلة التي أرجئت إلى فرصة أخرى.

الجدير بالذكر أن منتدى الحوار بواحة سيهات قد أعلن عن انعقاد هذه الندوة الحوارية قبل فترة ودعي إلى المشاركة فيها، وقد بلغ عدد زوار واحة الحوار المباشر بمنتدى الحوار بواحة سيهات حوالي 2000 زائر أثناء الحوار مع سماحته.

وفيما يلي أهم الأسئلة والإجابات:

المرأة وتطلعات التغيير

سؤال سماحة الشيخ تحية إجلال وإكبار، شكرًا جزيلًا لمجهوداتكم تجاه مجتمعك وأبنائك، في كتابكم مسؤولية المرأة كانت لأياديكم الكريمة هذه الكلمات وصفًا للمرأة في القدم: «وكيف يمكنها أن تؤدي أي دور وهي تعيش على هامش الحياة، وينظر إليها بازدراء واحتقار! جعلها هي الأخرى تفقد الثقة بنفسها، وترضى بواقعها البغيض..

إن آراءها تعتبر ناقصة، وتحركاتها مشبوهة، وكلماتها تافهة، وما عليها إلا أن تقبل ما يجري وتخضع لما يحدث.. وباختصار: كانت عضواً مشلولاً في المجتمع وطاقة مهملة في الحياة..».

سماحة الشيخ: رفضتم في ذات الكتاب، ونرفض نحن جميعاً الاتجاه المعاكس لتلك الحالة وهي حالة الفراغ الفكري.. ولكن  سماحة الشيخ، ألا ترى أنه وفي ظل الخوف من التغيير المطبق على عقول الأكثرية، فإن عملية رفع المستوى الفكري وتنشيط الجانب النسائي، هو أمر تغلب عليه الاستحالة؟ وبالتالي فالحالة التي ذكرت في كتابكم ستظل هي المسيطرة على جوانب حياة المرأة في بلادنا، وستظل المرأة التي وصفت في الماضي هي فتاة الحاضر والمستقبل؟ حيث إن مرحلية التغيير في المجتمع هي ضعفي المجتمعات الأخرى، فما مدى تفاؤل سماحتكم بعملية رفع مستوى المرأة الفكري، وما أنجح الطرق في نظركم والتي تؤمنون بأنها سبل النجاح في هذه العملية.

جواب إنني متفائل بالتقدم الذي تحرزه المرأة على المستوى العالمي وفي الساحة الإسلامية ، نحن نجد أن المرأة بدأت تحتل مواقع متقدمة على الصعيد السياسي والعلمي والأدبي والاجتماعي، وهذا يؤثر في مجتمعاتنا بسبب الانفتاح والعولمة التي حولت العالم إلى قرية واحدة،  لكن المطلوب منا جميعًا أن نسرع في عملية التغيير في مجتمعاتنا، لنقلها ولنقل المرأة وبشكل خاص من حالة الخضوع للواقع التهميشي إلى حالة الفاعلية والنشاط ونشر الوعي هو أفضل طريق وإلى  جانبه حصول المبادرات الجريئة والشجاعة من قبل المرأة الواعية الناضجة.

 تحركت المرأة المجاورة لنا منذ أثر من 30 عاماً ولكن مجتمعنا ظلّ  يلتف على أفكاره وكأنها أبناءه الصغار، ويطرد عنهم أي محاولة للتغيير.. بعض الفئات النسوية لدينا ـ والحمد لله ـ تتحلى بما ذكرتم ولكن أكثر العوائق تأتي من جانب الرجال، فهل التغيير العالمي سيؤثر في رجالنا؟ أم يجب علينا المحاولة عبر مختلف المنابر؟

 لا شك أن للتطورات العالمية أثرًا على أفكار الناس في مجتمعاتنا رجالاً ونساء، ولكن المطلوب الاستفادة من كل المنابر والفرص المتاحة لتعزيز فرص التقدم الفكري والاجتماعي وخاصة فيما يرتبط بوضع المرأة، ومما يساعد على ذلك بروز كفاءات نسائية واعية تقوم بدورها وتثبت جدارتها وكفاءتها.

 كلنا يعلم بأن للعرف مكانة عظيمة في مجتمعنا ونحن متمسكون به في كثير من الجوانب.. ولكن هناك بعض الأمور يجب أن ننظر إليها بمنظار جديد مع أن البعض يضع العرف عائقاً لتحقيق ذلك.. السؤال: ما مدى استطاعتنا في تغيير بعض الأعراف التي تتعارض مع الأفكار الجديدة بالرغم من أن هذه الأفكار لا تتعدى الشرع الإسلامي ولكنها تتعارض بشكل أو بآخر مع العرف؟

 يمكن تغيير الأعراف السائدة لصالح الأفكار الجديدة التي لا تخالف الشرع بطريقتين:

الأولى: وجود اقتناع ووعي عند الناس بضرورة التغيير وبأفضلية الخيارات الجديدة، وهذا الاقتناع لا يأتي إلا من خلال العمل الدؤوب والجاد باتجاه التغيير.

الثانية: وجود مبادرات جريئة من تجمعات واعية تكسر طوق تلك التقاليد والأعراف.

 كيف يمكن للمرأة أن تمارس حقوقها المدنية والاجتماعية والاقتصادية، في المجتمعات الإنسانية المعاصرة، وما هو المدخل إلى ذلك.. خاصة في بعض المجتمعات التي تكون فيها العادات والتقاليد حجر عثرة في طريق تحرك المرأة؟

 يمكن للمرأة أن تمارس حقوقها المدنية والاجتماعية ولاقتصادية إذا تطور وضع المجتمع إلى مستوى المجتمعات الديمقراطية المتقدمة، أما في كثير من المجتمعات المتخلفة فإن الرجل أيضًا ليس متاحاً له أن يمارس حقوقه بالشكل الكامل، فينبغي التفكير في مجتمعاتنا وانتشالها من حالة التخلف إلى حالة التقدم بالالتزام بمفاهيم الإسلام وتعاليمه التي تعطي لكل فرد في المجتمع رجلاً كان أو امرأة دوره المناسب في إدارة الشؤون العامة.

 كيف يمكن للمرأة أن تعمل في المجتمع وهي بالكاد تلبي أعمال بيتها وزوجها، هل هناك طريقة معينة يمكن للمرأة أن توفق بين العمل الاجتماعي وبين أمر المنزل والزوج؟

 المطلوب من الإنسان رجلًا أو امرأة أن تكون له حركتان:

- حركة باتجاه تسيير أمور حياته الشخصية والعائلية.

- وحركة باتجاه المشاركة في قضايا المجتمع وخدمة مصالحه العامة، وكما أن الرجل معني بالدرجة الأساس بتوفير احتياجات العائلة المادية.. والمرأة معنية حسب العرف الاجتماعي بترتيب شؤون البيت، فإن عليهما أن يوفق كل منهما بين دوره العائلي الخاص ودوره الاجتماعي العام، وهذا يتم عبر تنظيم الوقت والاستفادة من الوسائل المساعدة.

 طموحات بناتنا كبيرة جدًا وهي أكثر من الإمكانيات المتوفرة، وقد تنساق الفتاة مع زميلاتها إلى توجه صعب ومكلف لهن ولأسرهن بدون نظرة مستقبلية صحيحة، عدد الطالبات اللاتي يدرسن بجامعة الرياض من منطقتنا يقارب 9000 طالبة (كما أشار الشيخ حفظه الله في حديث الجمعة الماضي) وقد لا يعمل منهن ـ مع التفاؤل ـ أكثر من 1000 بعد التخرج.

في ضوء الوضع الراهن، من الصعوبة الحصول على كرسي العلم ووظيفة العمل، ماذا يعملن؟ والى أين يستحسن أن يتجه بناتنا لتغطية احتياجات مجتمعنا من المهن والخدمات النسائية؟ وما هو الدور المطلوب الذي يمكن أن يؤديه أفراد المجتمع للتعامل السليم مع الحواجز الحالية؟

 مواصلة الدراسة والتعلم أمر مطلوب بحد ذاته، والوظائف إذا لم تتوفر اليوم فسوف تتوفر غداً ضمن القطاع العام أو الخاص، وينبغي التفكير في أن يكون للقطاع الخاص دور في استيعاب بناتنا الخريجات مع مراعاة التعاليم الدينية، كما أنه ينبغي إثارة الطموح عند بناتنا للتوجه للدراسات العليا وليس الاكتفاء بدرجة البكالوريوس مثلاً، وإنما نحتاج منهن أن يسعين وراء الحصول على درجة الماجستير والدكتوراه في مختلف التخصصات، وواضح أن من يمتلك شهادة عليا فإن فرصه في العمل أكبر. إن مجالات كثيرة تشكو من الفراغ، فمثلاً في المجال الطبي بلادنا بحاجة إلى عدد كبير من الطبيبات، فنسبة السعودة في القطاع الطبي في المملكة في حدود 16%.

 لا شك أن طرح المشاريع واقتراحها أمر سهل وبسيط، وهناك الكثير من الأفكار التي يمكن أن نطرحها للرقي بالمرأة وبالمجتمع، ولكن الاقتراح سهل والتنفيذ صعب.. هل لديكم خطوات عملية لتنفيذ هذه المشاريع وأمثالها أو يقتصر دوركم على ما دون ذلك؟ وإذا لم تبادر الشخصيات الكبيرة في مجتمعاتنا بإنشاء هذه المشاريع فمن يبادر؟

 إنشاء منتدى أو جمعية أو نادٍ نسائي أمر مطلوب للرقي بالمرأة ولتفعيل دورها في الحياة الاجتماعية، والخطوات العملية التي نراها لبدء مثل هذه المشاريع المهمة هي المبادرة، ونأمل أن تبادر بعض فتياتنا الواعيات للقيام بهذا العمل الطموح، ودورنا هو تشجيع مثل هذه المبادرة ودعمها، ولا يتوقع منا بالطبع أن نمارس دوراً بديلاً عن أخواتنا العزيزات.

 على ضوء ما ذكرتم.. هل منتظر من المرأة أو مجموعة منهن أن يتحركن بأنفسهن للحصول على رخصة إنشاء مشروع ويشترين الأرض بأنفسهن ويذهبن إلى المهندس المعماري ويجمعن التبرعات بأنفسهن.. لا شك من الضرورة القصوى لتواجد الأخوات ودورهن الفعال، ولكن لا أرى بإمكان أن يقمن وحدهن بكل هذه المقدمات اللازمة وغير ذلك؟

 نعم، ننتظر من المرأة أن تتحرك بنفسها للحصول على رخصة إنشاء مشروع، وأن تهيئ كل المستلزمات لذلك.. ولدينا في المملكة العديد من سيدات الأعمال، وخاصة في جدة والرياض يدرن أعمالاً اقتصادية كبيرة ويتابعن إدارتها، وإذا كان هناك أمر يحتاج إلى متابعة من رجل فعلى المرأة أن توظف وتجند الرجل الذي يقوم بذلك الدور.. ومن المعروف أن السيدة خديجة أم المؤمنين عليها السلام كانت تدير تجارة دولية عالمية وهي في مكة المكرمة، وقد استفادت من طاقة وعمل الرسول في خدمة تجارتها حيث سافر إلى الشام في تجارة خديجة. فلماذا نستكثر مطالبة المرأة لأن تتحرك لتكوين مشروع خاص بنشاطها الثقافي والاجتماعي؟! ولماذا تريد دائمًا الكون تحت وصاية الرجال؟ فتحركن بأنفسكن، وهناك من الرجال من يمكنكن تحريكه والاستفادة من نشاطه.

 في الوقت الذي حققت فيه المرأة وبشكل كبير المساواة بينها وبين الرجل في فرص التعليم والعمل، إلا أننا نلاحظ ضعف وجودها أو ربما تراجعه في تقلدها لمراكز القيادة وصناعة القرار في المؤسسات العامة، هل هذا يعود إلى عدم اقتناع الرجل بإمكانية تقلد المرأة لمناصب القيادة؟ وما رأي سماحتكم في عمل المرأة بشكل عام؟

 عدم تقلد المرأة لمراكز القيادة وصناعة القرار في المؤسسات العامة راجع إلى عدم ظهور وبروز كفاءات نسائية ناضجة تنتزع مواقعها، كما يعود ذلك إلى ما تعانيه مجتمعاتنا من تخلف في نظرتها لموقع المرأة ودورها.

والمطلوب من المرأة أن تنتزع دورها بكفاءتها ونشاطها وفاعليتها والمستقبل سيكون في صالحها إن شاء الله.

 المرأة احتياجاتها منسية، وليس لها أهمية من رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال في منطقتنا.. سوق نسائي، صالات رياضية، محلات للحاسوب، وغيرها من المشاريع الكثيرة، ما نصيحتك لرجال الأعمال حول هذه المشاريع التي تنمي وتحفظ المرأة؟

 رجال الأعمال عادة ما يتوجهون للمشاريع المربحة التي يتضح لهم جدواها اقتصاديًّا، فإذا كانت هناك مشاريع وأعمال مثمرة اقتصاديًّا فإنهم عادة ما يتسابقون إليها، ونأمل أن يهتم رجال الأعمال في بلادنا بالاستثمار في المشاريع التي تعالج بعض الحاجات والقضايا الاجتماعية ، فإنها في الوقت الذي تنفعهم اقتصاديًّا تساعد في تطوير المجتمع الذي ينتمون إليه.

إن وجود مشاريع وأعمال تستقطب الطاقات المتوفرة في مجتمعنا له أكثر من فائدة فهو يتيح المجال لنمو  طاقات المرأة ويخلق أجواءه الحصانة والعفاف بتقليص حالات الفراغ التي تدفع للكثير من المفاسد، فنأمل أن يتوجه رجال الأعمال المخلصون للمشاريع ذات الفائدة الاجتماعية إلى جانب مردودها الاقتصادي.

علاقة الرجل بالمرأة

 في ضوء التطور والتقدم التكنولوجي.. وما وصلت إليه آخر ابتكارات هذا العلم، أصبحت هناك طريقة للتعارف بين الشاب والفتاة وهي الدردشة بأنواعها الصوتية والكتابية، فما هو رأي شيخنا الفاضل في هذا التعارف وليس بقصد الزواج وإنما تعرف أفكار الجنس الآخر لا غير؟

 ليس هناك ما يمنع من وجود تواصل أو تخاطب مع الجنس الآخر شريطة ألا يكون أجواء التواصل والتخاطب فيها محذور شرعي..

 وهل معنى ذلك أنكم لا تمانعون إنشاء هذه العلاقات بين الشباب والشابات ولكن ضمن الحدود الشرعية.. وإذا كان كذلك فما هي الضمانات التي يمكن تواجدها لكي لا يكون باباً للفساد؟

 الإسلام لا يقيم جداراً حاجزاً وفاصلاً بين الجنسين الرجل والمرأة، وإنما يأمر بأن تسود أجواء العفة والاحتشام في التعاطي بين الطرفين، وفي المجتمع الإسلامي الأول في عهد الرسول وفي عصور الأئمة ، كان هناك تعامل وتعاطٍ بين الرجال والنساء، ولكن ضمن آداب الإسلام وتعاليمه، أما تكوين صداقة عبثية بين شاب وفتاة ودون ضوابط وحدود فهذا ما يكون مزلقاً للفساد والانحراف، وبالمناسبة فإنه غالبًا ما تكون الفتاة هي الضحية في مثل هذه العلاقة.

 شيخنا العزيز.. ما تقولون في الاستحباب الذي يذكره الفقهاء عن استحباب حبس المرأة في المنزل فلا تخرج إلا لضرورة.. وذكرتم أيضاً (أما تكوين صداقة عبثية بين شاب وفتاة ودون ضوابط وحدود) والسؤال: ما هي تلك الضوابط والحدود؟

 ليس هناك من يقول باستحباب حبس المرأة في المنزل وألا تخرج إلا للضرورة، لأن المستحبات الواردة في الإسلام من عيادة المريض وصلة الرحم والسعي لطلب العلم وإدخال السرور على المؤمنين، ومشاركة الناس في أفراحهم وأتراحهم، والترفيه عن النفس، هي عامة للرجال والنساء على حدٍّ سواء، فكما يستحب للرجل أن يذهب للقيام بهذه الأمور المذكورة وأمثالها كذلك هو مستحب للمرأة مع رعاية الستر والحجاب.

أما ما يتعلق بالسؤال الثاني، فإن ضوابط وحدود أي علاقة بين شاب وفتاة هي الحشمة وعدم الإثارة، وألا تكون مفضية إلى محرم.

الزواج

 أجاز الشرع للخاطب أن يرى الفتاة التي يريد خطبتها، وذلك حسب ما قرره الشرع، ولكن الشاب في هذه الأيام يطمح إلى ما هو أكبر من ذلك، فهو يريد الجلوس معها ـ في حضرة والديها طبعاً ـ ليقف على مدى ثقافتها وتفكيرها ليتحصل على  حياة مثالية خالية من الإشكالات..

فما هو رأي الشرع في ذلك؟ وكيف نتعامل مع هذه الظاهرة من حيث العادات والتقاليد؟

 لا مانع من الناحية الشرعية أن يجلس الشاب الخاطب مع الفتاة المحتشمة بحضور آخرين، ليتعرف ثقافتها وشخصيتها، أما العادات والتقاليد التي تمنع من ذلك فينبغي التعاطي معها بوعي وثقافة تغييرية.

 المجتمع لا يجهل الحكم الشرعي.. ها هي الرسائل العملية بين أيديهم ولكن الشباب يتساءل عن كيفية تطبيق ذلك خصوصاً ضمن الظروف التي نعيشها من العادات والتقاليد؟

 المجتمع يجهل الكثير من الأحكام الشرعية، وما هو موجود في الرسائل العملية ليس واضحاً لكثر الناس، وحتى لو اتضح الحكم الشرعي يحتاج الناس إلى وعي يدفعهم لتطبيقه والالتزام به، وألا يقدموا العادات والتقاليد عليه، وواجبنا جميعاً توفير ذلك الوعي المطلوب.

 لقد ورد في واحة الحوار أن بعضهم يرى جواز ترقيق الثياب للخاطب اعتماداً على حديث ورد في كتبنا (مثل علل الشرائع) فهل يجوز ترقيق الثياب والجلوس معها بدون وجود أحد وكذلك مكالمتها هاتفياً؟

 ترقيق الثياب حين ينظر الخاطب إلى مخطوبته للتعرف إليها جائز كما يذكره الفقهاء في رسائلهم العملية، والمكالمات الهاتفية للتعارف بين الخاطب ومخطوبته جائز شرط الالتزام بالتعاليم الدينية، أما الجلوس مع بعض وبدون وجود أحد فهو حرام، لأن الخلوة بين رجل وامرأة أجنبية لا يجوز شرعاً.

 ما هي الصفات التي ينبغي للمؤمن البحث عنها في المرأة التي سيختارها زوجة له؟ وما هي أفضل الطرق التي يتبعها في البحث عن زوجة؟ وفي المقابل ما هي الصفات التي ينبغي للبنت أن تنظر إليها وتشترطها فيمن يتقدمون لخطبتها، وإذا لم تجد من تتوفر فيه الصفات التي تريدها، فماذا تعمل؟

 أهم الصفات التي ينبغي للمؤمن أن يبحث عنها في المرأة التي يردها زوجة له، هي:

أولاً: أن تكون من عائلة طيبة لما للوراثة من  تأثير.

ثانيًا: أن تكون ملتزمة بدينها متمتعة بالأخلاق الفاضلة.

ثالثاً: أن تكون على مستوى من الجمال يملأ عين زوجها.

وأفضل الطرق التي ينبغي اتباعها في البحث عن زوجة السؤال من جهة الأهالي والعوائل وكذلك الأصدقاء، ثم عليه أن يتأكد من المواصفات التي نقلت إليه.

أما الصفات التي ينبغي للبنت أن تنظر إليها فهي صفات مشابهة لما ذكر، أي أن تسأل عن عائلته وأخلاقه وعن صفاته الجسمية.

 سماحة الشيخ، هل يجوز للمرأة أن تشترط على الزوج عدم الزواج من أخرى، وهل يلتزم به الزوج شرعاً ويجب تنفيذه.. وهل يؤثم إذا لم يلتزم به؟

 نعم، تستطيع المرأة أن تشترط في عقد النكاح منع الزوج من الزواج من أخرى، وإذا قبل به الرجل في العقد يكون ملزماً بذلك الشرط، ويؤثم إذا لم يلتزم به.

 في السنوات المتأخرة وجدت ظاهرة مرضية في البحرين، ويمكن أن تنعكس على المجتمع أيضًا وهي أن المدرس لا يتزوج إلا مدرسة، والجامعي لا  يتزوج إلا من جامعية، والمهندس لا يتزوج إلا من مهندسة.. وهكذا، وكل ذلك نتيجة المتطلبات المعيشية حيث لا يستطيع الشاب أن يقوم بالأعباء الاقتصادية والمالية وحده، مما يتولد من ذلك بقاء الكثيرات من الفتيات دون زواج، فما هو الحل العملي في نظركم لهذه الظاهرة؟

 لا مانع أن يطلب الرجل في زوجته صفة معينة، كأن تكون مدرسة أو جامعية.. لكن ما يجب التنبيه عليه أن أهم ما يسعد الحياة الزوجية ليس هو الشهادة أو تلك الوظيفة، وإنما صلاح المرأة وأخلاقها الطيبة؛ لأنها ستكون شريكة الرجل في حياته وحضناً لتربية أبنائه، ونصيحتنا أن يهتم الشباب بالبحث عن المواصفات الأساسية لشريكات حياتهم في المستقبل ولا تؤثر عليهم العناوين والمصالح المادية فقط، وقد يحصل أن يتزوج الإنسان موظفة أو جامعية لكن لا يسعد بالانسجام معها، فماذا تفيده شهادتها؟ وكذلك لو لم تكن المرأة في مستوى التربية الصالحة للأبناء فإن الشهادة أو الوظيفة لا تعوض عن هذا النقص الخطير، من ناحية أخرى فإن على البنات أن يسعين ليوفرن في أنفسهن المواصفات التي تسهل لهن طريق العثور على شريك الحياة المناسب.

 طرح في منتدانا موضوع طاعة الزوج وحكمها واجبة، واستنتجنا هذا الحكم من حديث الرسول الذي منع تلك المرأة من صلة والدها المريض، ولطالما سمعنا حكم وجوب تعزية أبي عبد الله الحسين حتى بدون إذن الزوج في يوم العاشر من المحرم، لأن حكم التعزية واجب شرعاً على كل شخص بالغ، فما مدى صحة هذا الحكم؟ وإذا كان صحيحاً فإن صلة الرحم واجبة أيضًا، فما الحكمة من منع رسول الله المرأة التي أرسلت من يستأذن الرسول لزيارة والدها المريض؟ وكيف نوفق بين هذا الحكم وبين (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)؟

 هذا الحديث المذكور أن رسول الله منع امرأة من صلة والدها المريض إطاعة لزوجها ليس حديثاً ثابتاً ، لأن طاعة الزوج في حدود المعروف ولا يصح لزوج أن يمارس على المرأة سيطرته من دون حدود.

أما التعزية في اليوم العاشر من محرم التي أشرتم إليها فهي ليست واجباً من الناحية الشرعية، نعم، هي أمر ندب إليه الشرع إحياءً لذكرى أهل البيت وتعظيمًا للشعائر وإلا فهي ليست واجبا شرعياً.

 يعتبر البعض أن المرأة لم تنصف في مسألة القيمومة والإرث.. ففي السابق كان رجال الدين يصرحون أن الرجل من يتحمل الأعباء الاقتصادية فلهذا له الحق في القيمومة وعدم مساواة المرأة له في الإرث.. ولكن ها نحن نشاهد المرأة تنافس الرجل في القيام بتلك الأعباء وتتحمل ما يتحمله، فلماذا نشاهد هذا البخس من حقها؟

 الفرق بين الرجل والمرأة في موضوع الإرث وحق القيمومة في الحياة الزوجية تشريع إسلامي ثابت لا يتغير بتغير الظروف، صحيح أن المرأة أصبحت الآن تشارك الرجل في تحمل الأعباء الاقتصادية لكن ذلك  تطوع منها وليس مفروضاً عليها بحسب الشرع، بل هو مفروض على الرجل ولذلك عوضه الشرع في مقابل ما فرض عليه.

 ما رأي فضيلة الشيخ في عمل المرأة إذا كان يلزمها فتح الوجه؟

 فتح الوجه بالنسبة للمرأة جائز في رأي أكثر الفقهاء، فلا مانع أن تفتح المرأة وجهها إذا كان عملها يستلزم ذلك شرط ألا تكون هناك زينة أو فتنة.

 ماذا يقترح سماحة الشيخ، وما أعماله في القضاء على ظاهرة العباءات الغريبة والمثيرة للشهوة والنقاب وغيره من ألبسة تثير الشباب في هذه الأيام. وللمعلومية أن الكثير من المشاكل والجرائم قد تسببت نتيجة لهذه الألبسة، وأنا أعرف الكثير من الشباب الذين ما عادوا يتحملون رؤية هذه الألبسة أمامهم، وبالتالي يريدون الزواج لكن لا يستطيعون الزواج بسبب ظروفهم المختلفة.

 الظواهر السيئة التي نراها في مجتمعنا فيما يرتبط بأوضاع اللباس والسلوك الاجتماعي يجب أن نفكر في جذورها وخلفيتها ولا نقف عند حدود تلك الظواهر، فهي تكشف عن فراغ فكري وانشداد وانجذاب نحو ما يجري في المجتمعات الأخرى، وعلينا أن نعمل لتوفير الوعي والثقافة السليمة لشبابنا وبناتنا حتى يتمسكوا ويلتزموا بالسلوك السليم لا أن نكتفي بإطلاق فتاوى التحريم والتحليل أو نصبّ عليهم جام غضبنا وانزعاجنا. من ناحية أخرى، فإن هناك نوعاً من التضخيم والإفراط في التعاطي مع بعض الألبسة والمظاهر السلوكية ، فالشرع أوجب على المرأة الستر ولكن نوعية الستر متروكة للمرأة نفسها شريطة ألا يكون هناك لباس فيه إثارة ، لكن البعض يوسع دائرة الإثارة فيحكم على كل لباس غير متداول في المجتمع بأنه سبب للإثارة فلا داعي للتشدد والتزَّمت وإنما نرفض ما كان مثيراً بالفعل دون تضخيم أو تهويل.

 هناك منشورات أو ملصقات تقول بأن 80% ممن تلبس الكتافي سافلة وغير سليمة سلوكياً.. فهل ترويج هذه المقولات هو أمر بالمعروف ونهي عن المنكر.. أم هو إشاعة للفاحشة والرذيلة في أوساط المجتمع؟ أليست هذه المنشورات تشجع أصحاب النفوس المريضة للتحرش بكل من تلبس الكتافي أو النقاب؟ وإلى متى ستكون المرأة هي المدان الوحيد وهي المسؤولة عن الفساد؟ هل حقاً أن الكتافي غير المخصر والنقاب يثيران شهوة الشباب حسب ما نقرأ هنا في المنتدى أم هو ضعف الوازع الديني لدى الشباب أنفسهم؟

 المنشورات والخطابات الركيكة التي تسيء لمشاعر الناس، وتضخم وتهول بعض الأخطاء تسيء للحالة الدينية أكثر مما تنفع، وأن الله تعالى يأمر بالدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس صحيحاً أن المرأة  هي المسؤولة الوحيدة عن إفساد الشباب، بل إن الكثيرين من الشباب هم الذين يسعون لإغواء المرأة وخداعها من أجل قضاء مآربهم ثم التفرج على معاناة المرأة كضحية لتصرفاتهم الطائشة، كما أن اعتبار بعض الألبسة مثيرة للشهوة فيه شيء من التسرع، والشباب أيضًا في ألبستهم وحركاتهم يمارسون أشياء مثيرة، وكما أن الإثارات من جانب الفتيات حرام فكذلك الأمر من جانب الشباب.

 الدين يملك ثلاثة أنواع من الردع والنهي عن المنكر، وهي: الكلام والضرب والإنكار بالقلب، فالإسلام قد وضع أكثر من وسيلة للردع، ومن ضمنها الوسيلة العملية (الضرب)، ومن ضمن الوسائل العملية للردع عن هذا المنكر هو إيقاف محلات العباءات عن بيع وصنع مثل هذه العباءات على مستوى المنطقة ، ولكن نراكم تركزون فقط على ناحية التثقيف الديني، بينما نرى ونعلم أن الكثير من الحالات لا ينفع معها الكلام، فيلجأ الإنسان إلى الوسائل العملية مما لا غنى عنه للوصول بالمجتمع إلى مستوى الاستقامة، مع ملاحظة أن الموضات تتزايد وتتكاثر في هذه الناحية ، فكما تعلمون ظهرت ظاهرة العباءة المخصرة، وسيظهر الكثير غيرها إن لم يقم المجتمع بعمل جذري وعملي يزيل هذه الظاهرة.فهل التثقيف الديني هو الأمر الوحيد الذي تقترحونه لمحاربة هذا الأمر؟

 الردع مشروع للقوة الحاكمة في المجتمع، ولا يجوز لأي إنسان أن يمارس الردع في المجتمع خارج إطار السلطة الشرعية والتثقيف هو الأجدى والأصلح في مثل هذه الظروف؛ لأن المنع بالقوة فقط ومن دون إقناع وتوعية نتائجه محدودة، فماذا نصنع لمن يأتي بتلك العباءات تهريباً. وكيف نمنع أن تصبح لها سوق سوداء؟ وماذا عن نسائنا اللاتي يسافرن إلى الخارج؟ إن التوعية والتثقيف الديني هو المجدي. أما وسائل الردع فهي متاحة للسلطة الشرعية ولا يمكننا أن نشجع أي إنسان على ممارسة الردع.

 من المسؤول عن اتجاه المجتمع في منطقتنا إلى الأغلال؟ هل هم الآباء.. أم تقصير المشايخ في مسألة الأمر بالمعروف؟

 في الحديث المروي عن رسول الله قال: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، إنه لا يصح لنا أن نترامى بالمسؤولية، فالآباء مسؤولون والأمهات مسؤولات والمشايخ مسؤولون، وكل إنسان مكلف في المجتمع هو مسؤول بمقدار وعيه وإدراكه، والمطلوب أن يأخذ كل واحد منا زمام المبادرة لنستطيع الوقوف أمام التيارات الجارفة المتلاطمة.

 أود أن أستفسر عن حكم تغرب المرأة للدراسة في منطقة تبعد من مسكنها حوالي 9 ساعات، هل يجوز لها ذلك رغم معارضة أهلها للفكرة رغم أنها تسكن لوحدها؟

 إذا لم تجد المرأة فرصة للتعلم ضمن منطقتها وبين أهلها فإنه لا مانع من تغربها لطلب العلم ضمن ظروف تأمن فيها على نفسها وعلى عفتها وينبغي إقناع أهلها في مثل هذه الحالة.

في ختام هذا الحوار، أتقدم بخالص الشكر للإخوة الأعزاء في إدارة هذا المنتدى المبارك، حيث إنهم أتاحوا لي فرصة التواصل مع بقية الأخوة الكرام والأخوات الكريمات، كما أوجه شكري لجميع المشاركين معنا ضمن هذا اللقاء المبارك وأهيب بهم إخوة وأخوات لمواصلة التفكير والاهتمام بقضايا الفكر والمجتمع، وأن يبلوروا أفكارهم ومقترحاتهم باتجاه معالجة القضايا المثارة في المجتمع والتحديات التي تواجهنا جميعاً في هذا العصر وألا تبقى في حدود طرح السؤال وتلقي الجواب أو طرح الإشكال وانتظار الحل، وإنما أن نتعاون جميعًا لتقديم أفكار وخطط وبرامج تساعد في تطوير مجتمعنا وتقدم مستواه إلى الأفضل في الميادين الاجتماعية والثقافية. وفق الله الجميع للخير والصلاح وأشكركم جميعًا مرة أخرى فقد استفدت من آرائكم ومداخلاتكم، وإلى اللقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شكر وتقدير

تتقدم واحة سيهات ممثلة بجميع أعضائها بالشكر والعرفان لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حسن موسى الصفار على ما تكرم به من وقته الثمين بقبول الدعوة وتفضله بالإجابة عن أسئلة المشاركين والمشاركات في المنتدى على أن نلتقي في ندوات أخرى لترتقي معاً بمجتمع أفضل.

كما نعتذر للإخوة والأخوات على عدم الإجابة عن بقية الأسئلة، وسوف تجمع مرة أخرى لطرحها على سماحة الشيخ في وقت لاحق.

[1]  منتدى الساحل الشرقي حاليا.