الثقافة العنصرية وخطرها على المجتمعات

مكتب الشيخ حسن الصفار

الخطبة الأولى: التوبة حتى لا يصبح الذنب مسلكاً

بسم الله الرحمن الرحيم ﴿والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون.

يحتاج الإنسان المؤمن للوقاية الروحية الدائمة من احتمالات الوقوع في الذنوب والآثام، تماما كحاجته الجسدية المستمرة لتأمين النظافة والوقاية من الأقذار والأوساخ. فعلى غرار سعي المرء للمبادرة للعلاج والوقاية الصحية من الأمراض، أو الحفاظ على نظافته من الأدران، ينبغي أن يكون هكذا تماما على الصعيد الروحي، فليست هناك وسيلة أخرى يعصم المرء بها نفسه من احتمالات الوقوع في الذنوب والأخطاء، فالعصمة بيد لله يؤتيها بفضله من يشاء من عباده، أما سائر البشر فهم معرضون للجنوح نحو  الأخطاء. وتتميز الشريعة الإسلامية بنظرة واقعية للإنسان المؤمن، فلا ترفعه لمستوى الملائكة المنزهين عن الخطأ، وانما تتعامل معه كسائر البشر المعرضين لارتكاب الأخطاء، تماما كقابليتهم للتعرض لسائر الأمراض الجسدية. من هنا نبعت الحاجة إلى وقاية الروح وتطهير النفس تجنبا لمزالق الشيطان والنفس الأمارة بالسوء.

ان من أهم وأبرز سبل الوقاية الروحية من احتمالات الوقوع في الأخطاء والذنوب هو التمسك بذكر الله سبحانه وتعالى، ليس باللسان فحسب، وإنما بجعل الله سبحانه حاضرا في قلوبنا. ان استحضار عظمة الخالق في قلب الإنسان، والتفكر الدائم في عاقبة الأمور في الآخرة هو أفضل ما يقي الإنسان به نفسه من الوقوع في الخطأ. عدا عن ذلك يبقى المرء، حسبما تشير النصوص الدينية، معرضا للآثام مهما بلغت درجة تقواه وورعه، وهو لذلك محتاج باستمرار للتذكر بأنه خاضع للرقابة الإلهية، وعدم الغفلة عن أنه عرضة للعذاب والسخط الإلهي إن أوغل في الذنوب والأخطاء.

ان ذكر الله يكاد يكون حجر الزاوية في النأي بالنفس عن الفواحش والظلم، فالوقوع في المعاصي أمر مقرون دائما بالغفلة عن ذكر الله. ولذلك نجد الآيات الكريمة في تناولها للمتقين، تذكر أن من صفاتهم أنهم إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم. ولعل الإشارة الأبرز هنا هي ان هؤلاء المتقين أنفسهم ليسوا في منأى عن ارتكاب الأخطاء، فقد ذكرت الآيات الكريمة من صفات المتقين أنهم "ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"، لكن تتحدث الآية عنهم في الوقت عينه بالقول "والذين إذا فعلوا فاحشة"، والفاحشة من الفحش، ومعني ذلك تعدي الحد، فليس المقصود بالفاحشة هنا ارتكاب الزنا فقط، وإن كان القرآن الكريم قد وصف الزنا بأنه فاحشة "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا"، ذلك لأن الزنا من أظهر مصاديق الفاحشة، لكن حقيقة الأمر هي أن كل خطأ وكل ذنب هو تجاوز للحد ويمكن أن يوصف حينئذ بالفحش والفاحشة. إذن فالإنسان مهما بلغت  درجة تقواه فهو يبقى معرضا للخطأ والوقوع في الذنب. وتتفاوت عظمة الذنوب باختلاف مقامات البشر، ففي حين تبقى ذنوب الإنسان العادي ضمن مستواه، فإن الأمر مختلف بالنسبة للمتقين، فأقل خطأ لدى هؤلاء يعتبر ذنباً كبيرا، ولذلك ورد في الأثر "حسنات الأبرار سيئات المتقين". من هنا كانت الركيزة الأساسية لدى الإنسان المؤمن هي نبذ الغفلة عن ذكر  الله والاستغفار الدائم عن ارتكاب الذنوب والفواحش ما ظهر منها وما بطن.

في هذا السياق هناك حالتان تعتري الإنسان عند ممارسة الذنوب والأخطاء، فمرة يكون فيها ارتكاب الذنوب سلوكاً دائماً متكررا، فيصبح عندها كالمرض المزمن، ومرة تعترضه الأخطاء نتيجة غفلة أو جهل وسرعان ما يتراجع عنها ويتوب منها. فالإنسان المؤمن لا يرضى لنفسه القيام على الذنوب المعاصي والأخطاء كسلوك دائم، أما صدور بعض الذنوب والأخطاء، فهذا أمر وارد في حياة البشر، من هنا ورد "ان كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون". من هذه الزاوية يمكن فهم حديث الفقهاء عن مفهوم "العدالة"، حيث يذكرون بأن العدالة تزول بارتكاب الذنب وتعود بالتوبة والاستغفار، فالعدالة ليست بمعنى العصمة، الإنسان العادل وفق هذا المفهوم ليس بمعنى المعصوم الذي لا يصدر منه خطأ، بل على النقيض من ذلك، قد يصدر من المؤمن العادل خطأ ما، لكن المناط هنا هو في الاستغفار والعودة عن الذنب أو الاستمرار فيه والإصرار عليه.

ان من المؤسف أن يتشدد البعض على نحو مبالغ في محاسبة الآخرين على أخطاء ارتكبوها في فترة ما من حياتهم حتى بعد أن أقلعوا عنها وتابوا منها. نحن نواجه هذه المشكلة مثلاً عند حالات الخطوبة والزواج، فترى أحدهم يتشدد في شروطه على نحو بالغ التعقيد وقد يتشبث أحيانا بكلمة سمعها ذات زمن عن هذا الشاب أو تلك الفتاة، فيكون ذلك سببا في عدم الموافقة والقبول بها أو به زوجا. ان التعاليم الدينية تشير بوضوح إلى رحمة الله الواسعة وقبوله التوبة عن عباده، فكما يمكن أن تصدر منا الأخطاء والذنوب فنعود عنها، كذلك الآخرون يمكن أن يعتريهم الأمر ذاته.

ينبغي للإنسان أن يكون يقظاً تجاه أخطائه وذنوبه وأن يبادر فورا للتوبة النصوحة والاستغفار دون تسويف ومماطلة وإرجاء للمستقبل المجهول. وليس الاستغفار هنا مجرد ألفاظ يلقيها اللسان، وإنما هو عزمٌ قلبي وتصميم على عدم اقتراف الذنب مرة أخرى، فكما أنه لا يصح اليأس من رحمة الله، كذلك لا يجوز التسويف والإصرار على الذنب، وورد في الآية الكريمة ﴿ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. فعلاوة على ان الإنسان غير ضامن لعمره حتى يعمد لتأجيل توبته، يدل التسويف كذلك على اللامبالاة والاستهانة بأوامر الله، ولذلك على المرء أن يبادر للاستغفار والتوبة. أن من كرم الله ولطفه بعباده أن فتح لهم أبواب التوبة على مصاريعها الواسعة،  ورد عن الإمام الباقر أنه قال "الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه بتوبة فذلك هو الإصرار"، فيشير الإمام إلى أن المصرّ على الذنب هو ذلك الإنسان الذي يخطئ ولا يستغفر، بل لا يحدّث نفسه في الإقلاع عن ذلك الذنب والخطأ. ولذا حثت النصوص الدينية على اليقظة ازاء ارتكاب الأخطاء والمبادرة للتوبة والاستغفار ونبذ المماطلة والتسويف في فعلها.

روي عن أبي عبد الله جعفر الصادق قال "قال رسول الله أربع من كن فيه لم يهلك على الله بعدهن إلا هالك، يهم العبد بالحسنة فيعملها فإن هو لم يعملها كتب الله له حسنة، وإن هو عملها كتب الله له عشرا، ويهم بالسيئة أن يعملها ، فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء، وإن هو عملها أجل سبع ساعات، وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها فإن الله عز وجل يقول إن الحسنات يذهبن السيئات فإن قال استغفر الله لم يكتب عليه شيء وإن مضت سبع ساعات ولم يتبعها بحسنة واستغفار، قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات اكتب على الشقي المحروم"، فبحسب الرواية يعطي الله سبحانه فرصة التراجع عن المعصية على مدى ساعات من ارتكابها والاستغفار منها ومحوها، ذلك حتى لا يبقى الإنسان  منشدّاً إلى المعصية ولا تبقى المعصية منغرسة في نفسه.

كما ورد عن زرارة قال سمعت الإمام الصادق يقول "إن العبد إذا أذنب ذنباً أجل من غدوة إلى الليل فإن استغفر الله لم تكتب عليه"، فالمذنب في النهار اذا استغفر ربه في ليلته لم تكتب عليه تلك السيئة. وروى الإمام الصادق عن جده رسول الله قال "طوبى لمن وجد في صحيفة عمله يوم القيامة تحت كل ذنب استغفر الله" ومعنى ذلك الاستغفار والإقلاع عن كل ذنب يذنبه العبد. ولنتأمل الرواية الآتية التي تكشف إلى أي مدى يفتح الإسلام أبواب الأمل والرجاء أمام الإنسان وكيف تدفع هذه النصوص والروايات الإنسان إلى أحضان الرحمة الإلهية وخاصة في هذا الشهر الفضيل، شهر رمضان المبارك، فعن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب قال "العجب ممن يقنط ومعه الممحاة، قيل وما الممحاة، قال الاستغفار"، فالإمام يشبّه الاستغفار بالممحاة التي يستخدمها المعلم أثناء الكتابة على لوح التعليم في الصفوف الدراسية، فهو يكتب ويمحو ويزيل ما يشاء بتلك الممحاة، كذلك الأمر مع الاستغفار فهو ممحاة الذنوب والأخطاء أنى عزم العبد المؤمن على ذلك. ان وجود فرص الاستغفار لدى العبد المؤمن هي بمثابة دعوة مفتوحة بأن لا يقنط العبد من رحمة الله. وعن الإمام علي ابن موسى الرضا عن أمير المؤمنين قال "تعطروا بالاستغفار لا تفضحنكم روائح الذنوب"، فلننظر لهذا المعنى العظيم لهذه الرواية، فهي تشير إلى أن الذنب يمكن أن تكون له رائحة كريهة تنعكس على شخصية الإنسان وسلوكه، وهذه الرائحة لا تزول سوى بالاستغفار، وتلك نعمة كبيرة من الله سبحانه وتعالى على الإنسان. وأخيرا ورد عن الإمام الصادق قال "ما من عبد أذنب ذنباً فقام وتطهر وصلى ركعتين واستغفر الله إلا غفر له وكان حقاً على الله أن يقبله لأنه سبحانه قال من يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيما"، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا جميعاً ذنوبنا وأخطاءنا، ,ان يوفقنا للإنابة والتوبة خاصة في هذا الشهر الكريم.

الخطبة الثانية: الثقافة العنصرية وخطرها على المجتمعات

بسم الله الرحم الرحيم ﴿وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير.

ان الثقافة العنصرية تعد أعظم امتهان لكرامة البشر ومهدد أكيد لاستقرار المجتمعات. فالفكر العنصري هو منشأ السلوك الأسوأ بين أبناء البشر، ذلك القائم على جعل فئة من الناس في موقع أرقى من الفئات الأخرى، لتعتدي هذه الفئة تبعا لذلك على حقوق الآخرين. ان هذه الروح والثقافة العنصرية هي مهدد حقيقي للمجتمعات لأنها تنطوي على امتهان سافر لكرامة الناس. فقد خلق الله سبحانه وتعالى جميع البشر، وجعلهم جميعا عباده وعياله بحسب تعبير النصوص الدينية، فأن تأتي بعد ذلك فئة من البشر وتزعم لنفسها الأفضلية على سائر الناس فذلك عدوان وتجاوز على الحقيقة.

ان مجرد اعتقاد أتباع أي دين أو مذهب بأن دينهم ومذهبهم هو الأفضل وهو الحق والصواب فذلك لا يمت إلى الثقافة العنصرية بصلة. فهناك مسافة بين الاعتقاد بأفضلية عقيدة ما واعتناقها تبعا لذلك، وبين القناعة بأن لـ"ذواتنا" الأفضلية المطلقة على سائر البشر.  فمن حق المرء أن يعتقد بأن الدين الذي يعتنقه هو الأفضل متى ما قامت لديه الأدلة على ذلك، بخلاف الاعتقاد بأن ذاته هي الذات الأفضل على سائر الذوات. فليس هناك دين إلهي أو مذهب سوي يقبل بأن يظلم الإنسان الآخرين أو يعتدي على حقوقهم، وإذا ما اعتقد أحد بأن دينه أو مذهبه يجيز له أن يتعالى على الآخرين و يظلمهم ويعتدي على حقوقهم، فذلك راجع إما لخطأ ذلك الدين والمذهب أو لأنه لم يفهم تعاليم دينه فهماً سليماً، كما يقول القرآن الكريم "وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون"، فالافتراء على الدين انتهى بهذه الفئة من الناس إلى الغرور، فليس هناك دين أو مذهب سوي يدفع الإنسان إلى التعالي والتكبر على أبناء جنسه، فذلك عين العنصرية التي تنبذها جميع الشرائع.

لقد شددت التعاليم الإسلامية والنصوص الواردة عن أهل البيت على أن معيار التفاضل بين بني البشر هو التقوى والالتزام القيمي بالتعاليم الإلهية. فلا يعد مجرد الانتماء الإسمي للدين أو الالتزام الشكلي بالمذهب معيارا حاسما للأفضلية المطلقة، فجميع ذلك لا قيمة ولا وزن له ما دام بعيدا عن الالتزام بالقيم. وروي عن الإمام الصادق   القول "بلّغ معاشر شيعتنا وقل لهم: لا تذهبنّ بكم المذاهب فوالله لا تنال ولايتنا إلا بالورع والاجتهاد في الدنيا ومواساة الإخوان في الله, وليس من شيعتنا من يظلم الناس". ان مجرد الانتماء للدين الإسلامي أو لمذهب معين لا يمنح المرء الأفضلية التلقائية على الآخرين فضلا عن أن يعطيه الأحقية في ممارسة الظلم والعدوان على حقوقهم.

عانت المجتمعات البشرية طويلا من انتشار الأفكار والثقافات العنصرية التي انبثقت عنها نظم سياسية قائمة على أساس عرقي أو ديني. ولعل المثل الابرز في هذا الصدد نشوء النازية في ألمانيا على يد أدولف هتلر، وهي القائمة على الاعتقاد بتفوق العرق الآري على سائر الأعراق، وعلى غرار ذلك ما كان سائدا أبان نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا القائم على تفضيل البيض على السود والملونين. ان الثقافة العنصرية خاطئة جملة وتفصيلا، ولم ولن يقوم عليها دليل علمي أو عقلي واحد، فهذا ربنا عز وجل يرد على اليهود والنصارى الذين ادعوا أن لهم علاقة خاصة به دون سائر البشر "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق".  ان أسوأ ما يمكن أن ينبثق عن أي ثقافة عنصرية هو قيام نظام سياسي حاكم يتعامل مع مواطنيه على أساس عنصري فيقدم فئة من المواطنين، فيما يضطهد ويعتدي على فئات أخرى.

ان بروز حالات العنف في أوروبا مؤخرا كما حدث في النرويج وبريطانيا يعد نتيجة ومؤشرا واضحا على تصاعد سطوة التيارات اليمينية العنصرية الشريرة. فعلى الرغم من وجود أنظمة سياسية قوية في تلك البلدان المهتمة بتطبيق معايير المواطنة على نحو متساو بين رعاياهم بغض النظر عن أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم، إلا ان ذلك لم يمنع من بروز  التيارات اليمينية المتطرفة التي اخذ يتنامى نشاطها في أوروبا والتي تتبنى أفكارا وثقافات عنصرية تنظر إلى الآخرين، وخاصة تجمعات المهاجرين، أو السود وكأنهم عبء يجب التخلص منه، ولذلك تتنادى هذه الأحزاب المتطرفة للحد من الهجرة إلى أوروبا،  فتكونت على أساس ذلك منظمات ضد المهاجرين، وضد المسلمين وضد الفئات الأخرى، فأصبحت هناك أحياء يعيش فيها هؤلاء المهمشون في أوضاع مزرية نتيجة الفقر والبطالة والحرمان والشعور بالتهميش، وهذه أرضية طبيعية لنشوء الاضطرابات على غرار الأحداث التي انطلقت شرارتها من حي توتنهام المتنوع الأعراق شمالي لندن مؤخرا، اثر مقتل شاب أسود على يد الشرطة.

ان من المؤسف أن تجد الثقافة العنصرية طريقها إلى بلاد المسلمين على نحو أو آخر فيدفع ثمنها فئات واسعة من المواطنين. فلو أخذنا مثلا على ذلك، معاناة الآلاف من غير محددي الجنسية في بلادنا وبعض دول الخليج والمعروفون بمسمى "البدون"، فهؤلاء الناس يعيشون بيننا منذ سنوات، فهم ولدوا وعاشوا طوال حياتهم في هذا البلد ولم يعرفوا بلدا غيره ولا يحملون جنسية أخرى، وانعدام الجنسية سبب لهم ولا يزال متاعب كثيرة في حياتهم على صعيد التعليم والصحة والعمل وهذا ما عرضته مرارا الصحف المحلية وتقارير الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان. ان هؤلاء بشر ومسلمون ومقيمون في بلادنا منذ أمد بعيد، فإذا استمروا في العيش تحت ضغط التهميش والتمييز فإن ذلك قد يجعل منهم قنابل موقوتة في مجتمعاتنا.

ان علينا أن نحذر من انتشار أي فكرة أو ثقافة عنصرية بيننا، فليس من الصحيح أن نكتفي بالامتعاض ازاء الظلم الواقع على مجتمع ما او طائفة معينة، فيما نلوذ بالصمت إزاء مظالم الآخرين. انما ينبغي أن نكون حساسين تجاه أي ظلم يقع على أي إنسان لكونه  إنساناً، فلا نقبل بأن يقع ظلم على أحد لأن الظلم لا يتجزأ، ولأن النتائج الوخيمة للظلم قد تطال الجميع.

ينبغي أن ننأى بمجتمعنا عن مثل هذه التيارات والأفكار العنصرية على مستوى السلوك الشخصي, أو الأوصاف المتداولة تجاه بعض المقيمين الأجانب في بلادنا.  فالكثير من هؤلاء المقيمين من ذوي الجذور الافريقية يشتكون من معاناة أبنائهم  من النظرة الدونية من قبل زملائهم الطلاب، فهم يعيرونهم لبشرتهم السوداء!، عدا ما يتعرض له بعض العمالة الأجنبية في بعض الحواري من الإيذاء والقذف بالحجارة! هذا أمر غير جائز، وهذه ثقافة عنصرية ينبغي أن نحذر أبناءنا وأن نحذر الناس من مخاطرها. ان هذه التصرفات الخاطئة لا ينبغي السكوت عنها حتى على صعيد الألفاظ ، فلا ينبغي أن نسمح بالحديث عن سائر البشر على نحو الاستنقاص والنظرة الدونية لهم.  وورد عن النبي الأكرم أنه غضب من إحدى نسائه لأنها أشارت بيدها إلى قصر قامة امرأة أخرى، فاعتبرها غيبة بحق تلك المرأة. ينبغي ان لا نغفل عن انتشار مثل هذه السلوكيات المشينة فديننا يقوم على مبدأ "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، فلنحذر من أي تهميش أو ظلم أو تمييز ضد أي فئة من المجتمع على أساس أعراقهم أو مذاهبهم أو قبائلهم فإن نتائج هذا السلوك وخيمة على كل الوطن وعلى كل المجتمع. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم للخير والصلاح وأن يصلح ما فسد من أمور المسلمين.

وللاستماع:

«الخطبة الأولى: التوبة حتى لا يصبح الذنب مسلكاً»

«الخطبة الثانية: الثقافة العنصرية وخطرها على المجتمعات»

* خطبة الجمعة بتاريخ 12 رمضان 1432هـ الموافق 12 أغسطس 2011م.