في ذكرى ميلاده

الإمام الرضا (ع) عمل بعهد الإمامة بقبوله ولاية العهد

• الإمام رأى أن من مصلحة خط أهل البيت قبول ولاية العهد

• الإمام لا يريد خلافة لا تأتي عن طريق قبول الناس

• لما ظهرت فضائل الإمام الرضا بشكلٍ واسع تم اغتياله

يظل في قبول الامام الرضا  بولاية العهد في عهد خلافة المأمون دروس وعبر، فكان ثمة بون شاسع بين رغبات المأمون وخططه وتدبيره من وراء دعوة الامام  الى القبول بولاية العهد، وبين الأسباب التي دعته  للقبول بها، فالأولى كانت رغبة دنيوية اما الثانية فكانت أخروية بكل ما في الكلمة من معنى.

لتوضيح حياة الإمام الرضا السياسية لابد من أن نستعرض بعض المقدمات:

أولاً: للحكم والسلطة دورٌ مهم في حياة الناس، فكلما كانت السلطة صالحةً رشيدة كانت حياة الناس أسعد واسلم في مختلف الجوانب، أما إذا كان هناك انحراف في مجال السلطة والحكم فإن ذلك يؤثر على مختلف جوانب حياة الناس. يقول الإمام علي: «إذا تغير السلطان، تغير الزمان». وقديماً قيل: الناس على دين ملوكهم.

ثانياً: نحن نعتقد بمنصب الإمامة، وهي تختلف عن منصب الحكم والخلافة. والإمامة هي منصب إلهي لشؤون الدنيا والدين، بينما يرى سائر المسلمين أن الخلافة تفويض اجتماعي.

كان رسول الله يقود المسلمين، ويقوم بمهمتين رئيسيتين في قيادته:

  • المهمة الأولى: التبليغ
  • المهمة الثانية: إدارة شؤون المجتمع في مختلف مجالات الحياة.

وبعد فقد رسول الله أصبح هناك فراغ في هاتين المهمتين، سائر المسلمين قالوا: بالنسبة لمهمة التبليغ، يكفي وجود كتاب الله تعالى ولا تحتاج الأمة إلى من يواصل مهمة التبليغ، وتبقى مهمة إدارة شؤون الناس وهي تتم من خلال التفويض الاجتماعي. بينما أتباع أهل البيت يعتقدون أن مهمة التبليغ لا تنتهي بفقد رسول الله بل تمتد وتستمر عبر الأئمة المعصومين، وغاية ما هناك أن الرسول كان يتلقى الوحي، والأئمة يواصلون المهمة بما تلقوه من رسول الله.

فالإمامة منصب إلهي ولا تكون إلا بجعل واختيار من قبل الله تعالى، والأئمة الإثنا عشر منصوص عليهم من قبل الله عبر رسول الله، كما ينص الواحد منهم على الآخر.

ثالثاً: يعتبر الأئمة أن منصب القيادة والحكم نوع من التكليف الشرعي لهم، ولم يكن للأئمة رغبة ذاتية في الحكم والسلطة. ولذلك قال الإمام علي: «اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا طمعاً في سلطان ولا رغبةً للحصول على شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك». وغيرها من الكلمات التي تؤكد هذه الحقيقة.

إذن ما الطريق في رأي الأئمة لتولي السلطة والحكم؟ يرى الأئمة أن هناك طريقاً واحداً فقط وهو رضا الناس وخضوعهم، وهو طريق الأنبياء نفسه. ويقول في ذلك أمير المؤمنين: «عهد إلي رسول الله عهدا، قال لي: يا ابن أبي طالب لك ولاء أمتي، فإن ولوك أمرهم في عافية وأجمعوا على الرضا عليك فقم بشؤونهم وإن أعرضوا عنك دعهم وما اختاروا لأنفسهم». وهذه كانت هي سيرة الأئمة . صورة مقال

وما حصل في تاريخ الأمة أن آخرين تولوا الحكم، ولم تتح الفرصة للأئمة للقيام بدورهم الشرعي.

ما هو موقف الأئمة تجاه هؤلاء الحاكمين؟

أولاً: كان الأئمة يبذلون كل جهدهم لإصلاح ما يُمكن إصلاحه.

ثانياً: كان الأئمة يُشجعون أصحابهم ذوي الكفاءات من أجل أن يكون لهم دور في مساعدة الأمة لإصلاح ما يُمكن إصلاحه، وفي تخفيف الضغط على إخوانهم المؤمنين، ومن أبرز الشخصيات وزير هارون الرشيد (علي بن يقطين) وهو من تلامذة الإمام الكاظم وقد كانت له منزلة خاصة عند الإمام، يقول الإمام الكاظم لعلي بن يقطين: يا علي اضمن لي واحدة وأضمن لك ثلاث، اضمن لي أن لا يأتيك احد من موالينا في حاجة إلا قضيت حاجته، وأضمن لك أن لا يمس جسمك الحديد أبداً، ولا يدخل بيتك الفقر أبداً، ولا يظلك ظل سجن أبداً.

  • الظرف السياسي في حياة الإمام الرضا

كان الظرف السياسي في حياة الإمام الرضا مميزاً، فقد كان المأمون العباسي في حالة ضعف بعد صراعه مع أخيه الأمين فأصبح العباسيون على غير رضا على المأمون، إضافةً إلى أن العلويين كان لهم نفوذهم البارز، هنا وجد المأمون نفسه في موقفٍ ضعيف، ففكر في استقطاب الإمام الرضا، حتى يأمن جانب العلويين، ويتقوى بهم على العباسيين. أمر المأمون الإمام الرضا أن يقدم إليه من المدينة، وطلب منه أن يقبل الخلافة بعد أن يتنازل المأمون عنها، لكن الإمام لا يريد خلافةً تأتي عن هذا الطريق، وإنما طريقه رضا الناس وخضوعهم، فرفض هذا الأمر وقال للمأمون: إن كانت الخلافة ثوباً ألبسك الله إياه، فلم تنزعه عن نفسك وتلبسنيه، وإن كانت الخلافة لغيرك فكيف تعطيني ما ليس لك.

فطرح المأمون على الإمام أن يُصبح ولياً للعهد، رفض الإمام ذلك، ولكن المأمون أصر وهدد الإمام، والمسألة لا تقف عن حدود التهديد لأن الإمام لا يخاف التهديد فأهل البيت شعارهم: وكرامتنا من الله الشهادة. وهو يعلم أنه مقتول على يدي المأمون قبل بولاية العهد أم لم يقبل. ولكن الإمام رأى أن من مصلحة خط أهل البيت في تلك الظروف أن يقبل بولاية العهد، لأن أتباع أهل البيت كانوا يعيشون حالةً ضنكة وصعبة خصوصاً في عهد هارون الرشيد، وهم بحاجة لأن يعيشوا أجواءً هادئة وقبول الإمام بولاية العهد يُحقق هذا الهدف. إضافةً إلى ذلك فإن فضائل الإمام الرضا ظهرت بشكلٍ واسع مما دعى المأمون لتنفيذ خططه الدنيئة والتي كان يتحين الفرص للقيام بها فأقدم على قتل الإمام بذلك السم الذي قدمه للإمام في عنب ورمان.

 

الجمعة 22 أكتوبر 2010 العدد/848