أخلاق أهل البيت (ع) واستيعابهم للآخر

مع إطلالة مناسبة المولد الشريف للإمام الحسن المجتبى تطل علينا نسمات كريم أهل البيت في ليالي شهر رمضان المبارك والتي تحمل في طياتها وجوانبها وعوالمها التسامح والرحمة والمغفرة في شهر انزل الله تعالى فيه الذكر الحكيم وجعل أيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي نتذاكر خُلق أهل البيت والذي جعلناه منهجاً لنا وكيف لا؟ وهو الخُلق المستمد من جدهم المصطفى ذلك الخُلق العظيم الذي لا يماثله خُلق ولا يمكن لأحد أن يأتي بخير منه بشهادة إلهية صريحة جلية في القرآن الكريم حيث يقول تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[1]  ولقد جسد أئمة أهل البيت هذا الخُلق العظيم كما كان خُلق جدهم الذي أستوعب المؤالف والمخالف ولقد كان الحث على الجانب الأخلاقي في شخصية المسلم من قبل الرسول الأكرم وأهل بيته الكرام لأن الأخلاق تمثل الذخيرة الإيمانية لدى الإنسان حيث يقول النبي المصطفى : «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً وإن حسن الخلق ليبلغ درجة الصوم والصلاة»[2]  وقد جعل الرسول الأخلاق أفضل الحسن حيث قال في حديث يرويه الإمام الحسن : «أحسن الحسن الخلق الحسن»[3]  وهذا الحث على التزام الأخلاق الفاضلة ليس لفئة دون فئة أو محب أو مخالف بل كان للجميع فالسيرة النبوية الشريفة تنقل لنا كماً هائلاً من المواقف الشريفة التي تجسد كيف استقبل النبي محاولات الهجوم عليه لفظياً أو جسدياً ولعل من أبرزها على نحو الإجمال والاختصار عفوه الذي شمل جميع من اعتدى عليه مهما أختلف نوع الاعتداء وذلك حين فتح مكة حيث قال البيهقي: «ثم دخل صناديد قريش من المشركين الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم ثم طاف - أي الرسول - بالبيت وصلى ركعتين ثم أتى الكعبة فاخذ بعضادتي الباب فقال: ما تقولون وما تظنون؟ قالوا: نقول أبن أخ وابن عم حليم رحيم. قال: وقال: ما تقولون وما تظنون؟ قالوا: نقول أبن أخ وابن عم حليم رحيم ثلاثاً. فقال رسول الله أقول كما قال يوسف ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ قال: فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام»[4]  وفي رواية أخرى إنه قال: يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم خلق من تراب ثم تلا: ﴿يا أيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ... [5] ، يا معشر قريش ويا أهل مكة، ما ترون إني فاعل بكم؟ قالوا أخ كريم وابن اخ كريم، ثم قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء»[6]  فأعتقهم وقد كان أمكنه الله من رقابهم عنوة فبذلك سموا الطلقاء. فلقد عفا الرسول عن الغلظة والجفاف والخشونة في القول والفعل والاعتداء بالأقوال والأفعال.

ولقد جسد أئمة أهل البيت هذا الخلق النبوي تجسيداً عملياً اقتداءً بجدهم المصطفى فقد ضرب أهل البيت أروع الأمثلة حتى تفوقوا على من سبقهم وأتعبوا من جاء من بعدهم فالنماذج لا تقدم لنا صوراً للتعامل مع من أحبهم بل مع من اعتدى عليهم بالسباب أو الشتائم فقد سمع أمير المؤمنين رجلا يشتم قنبراً، وقد رام قنبر أن يرد عليه، فناداه أمير المؤمنين : «مهلاً يا قنبر، دع شتامك، مهانا، ترضي الرحمن، وتسخط الشيطان، وتعاقب عدوك، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما أرضى المؤمن ربه بمثل الحلم، ولا أسخط الشيطان بمثل الصمت، ولا عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه»[7] .

وروى مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّضِيُّ فِي نَهْجِ الْبَلَاغَةِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ كَانَ جَالِساً فِي أَصْحَابِهِ إِذْ مَرَّتْ بِهِمُ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ فَرَمَقَهَا الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقَالَ : «إِنَّ عُيُونَ هَذِهِ الْفُحُولِ طَوَامِحُ وَإِنَّ ذَلِكَ سَبَبُ هِبَابِهَا فَإِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى امْرَأَةٍ تُعْجِبُهُ فَلْيُلَامِسْ أَهْلَهُ فَإِنَّمَا هِيَ امْرَأَةٌ كَامْرَأَةٍ».

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ: قَاتَلَهُ اللَّهُ كَافِراً مَا أَفْقَهَهُ.

فَوَثَبَ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ.

فَقَالَ : «رُوَيْداً فَإِنَّمَا هُوَ سَبٌّ بِسَبٍّ أَوْ عَفْوٌ عَنْ ذَنْبٍ» [8] .

بل ان الإمام علي يطبق النموذج النبوي الشريف في التعامل حتى عدوه وقاتله فيقول -:«إن أبق فأنا ولي دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعف فالعفو لي قربة، وهو لكم حسنة، فاعفوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم» [9] .

وما الإمام الحسن عن ذلك ببعيد وكان الحسن بن علي على سر أبيه وجده . فمن حلمه ما رواه المبرد، وابن عائشة: أن شاميا رآه راكبا، فجعل يلعنه، والحسن لا يرد، فلما فرغ، أقبل الحسن فسلم عليه، وضحك، فقال: أيها الشيخ أظنك غريبا، ولعلك شبهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعا أشبعناك، وإن كنت عريانا كسوناك، وإن كنت محتاجا أغنيناك، وإن كنت طريدا آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأن لنا موضعا رحبا، وجاها عريضا، ومالا كثيرا. فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي، والآن أنت أحب خلق الله إلي، وحول رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل وصار معتقدا لمحبتهم» [10] .

ولما هم أهل المدينة بإخراج عامل يزيد بن معاوية، عثمان بن محمد بن أبي سفيان، وإظهارهم خلع يزيد بن معاوية وحصارهم مَن كان بها من بني أميّة، وعلى رأسهم مروانُ بن الحكم" وكان لمروان عائلةٌ كبيرة من أولاده وأحفاده نساءً ورجالاً، فكلَّم علي بن الحسين وقال: إنَّ لي رَحِماً وحُرَمي تكون مع حرمك، فقال : افعل، فبعث بحرمه إلى عليّ بن الحسين، فخرج بحرمه حتى وضعهم بيُنبع «منطقة قرب المدينة»، وكان مروان شاكراً لعليِّ بن الحسين"[11]  ومكثوا عند عليِّ بن الحسين كما ورد في كتب السيرة مدّة طويلة، حتى ارتفع الأمر، وجاء عن بعض بناته ـ كما يُنقل ـ لم نجد من الحفظ والرعاية والعاطفة في بيت أبينا كما وجدناه عند عليِّ بن الحسين . فلقد تجاوز الإمام كل ما في النفس من أثار قتل والده الإمام الحسين وعمه وأخوته وأنصارهم وترويع الأطفال ليقول أن النفس التي تحمل خُلقاً نبوياً أسمى من أن تثأر وتستغل المواقف.

وهذا ليس إلا غيض من فيض مما ورد عنهم في التعامل الحسن مع الجميع وحث أتباعهم على التزام هذا النحو من الخُلق الجميل وذلك لا لضعف في المذهب وأهله ولا لمداهنة أو مجاملة بل ولا حتى لتقية أو غيره بل لبيان حقيقة ألأخلاق التي يتبناها أتباع آل البيت ولذا جاءت الدعوة الصريحة في التزاور والتناصح والصلاة جماعة وعيادة المريض وتشييع الجنائز وأنواع التكافل وغير ذلك مما يدل عليه ما ورد عنْ مُرَازِمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عبد الله : «عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَ حُسْنِ الْجِوَارِ لِلنَّاسِ وَ إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ وَ حُضُورِ الْجَنَائِزِ إِنَّهُ لَا بُدَّ لَكُمْ مِنَ النَّاسِ إِنَّ أَحَداً لَا يَسْتَغْنِي عَنِ النَّاسِ حَيَاتَهُ وَ النَّاسُ لَا بُدَّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ»[12] .

بل شجع أهل البيت الدعوة للحوار الهادئ القائم على أصول شرعية يحترم فيها كل طرف الآخر وقد أحتل الحوار موقعية هامة لديهم فتبين مفهوم الإمامة والمفاهيم المنقولة عنهم على وجهها الحقيقي حيث رفعوا بالحوار الغموض وكشفوا به الشبهات وأزالوا به الريب والاشتباه وألقوا به الحجة فمن صحح الخطأ وزالت عنه الشبهة قد استفاد ومن لم يستفد مرة قد يستفيد في الأخرى ومن ظل على موقفه فلقد تبينت الحجة والله يتولاه وحري بنا أن نسلك هذا المنهج في سائر أمورنا وأن ننظر إلى الأمور بنظرة عميقة لا نظرة سطحية تجر مجتمعنا إلى ويلات الافتراق مرة أخرى وشيوع أجواء الفتنة وتحميل الأمور ما لا تطيق حتى جرت الدعوة من موقع التوافق الإلكتروني إلى تبني أقامة حوار شيعي - شيعي لإحساسها بارتفاع درجة حرارة الشارع الشيعي وانها قد تجاوزت الحد الطبيعي والحقيقة في نظري ليست الزيارة فحسب التي ألهبت هذا الشارع المسالم بل كان لتلك التحاليل والمقالات التي أخذت على عاتقها تطويع ولي ذراع بعض البيانات الصادرة من بعض أبرز علماء المنطقة وجعلها تصب في خانة الهجوم على الشخصيات العلمائية حتى أدرك ذلك العلماء الفضلاء فبين بعضهم موقفهم الجلي بأن البيانات لم تكن للقدح في شخص كريم كسماحة الشيخ حسن الصفار أو النيل منه أو التقليل من دوره البارز ان لم يكن الأبرز في التواصل مع المجتمع الوطني بكافة طوائفه وأطيافه وان كان هناك ثمة اعتراض فقد كانت على الضيف دون المستضيف فكان لها الأثر الجميل في ردع تلك الأقلام التي انبرت لتصب كل ما لديها تجاه شق صفوف العلماء والمجتمع.

وأما هذه الزيارة فإنها ليست ببعيدة عن زيارة النجف الأشرف التي استقبلت رجلاً بارزاً كأحمد أمين الذي قال في المذهب كلاماً خطيراً ضمنه أحد أبرز مؤلفاته والمعنون ب «فجر الإسلام» حيث قال عن ذلك العلامة كاشف الغطاء قدس سره: «أفلا يثير الحفيظة، ويؤجّج نار الشحناء في صدور عامّة الشيعة ما يقوله في «فجر الإسلام» صفحة 33:

«إنَّ التشيُّع كان مأوى يلجأ إليه كلُّ مَنْ أراد هَدْم الإسلام» إلى آخر ما قال.. يكتب هذا وهو يعلم أنَّ النقد من ورائه، والتمحيص على أثره، يجرح عاطفة أُمَّة تُعدُّ بالملايين، وتتكوَّن منها الطائفة العظمى من المسلمين.

ومن غريب الاتفاق أنَّ «أحمد أمين» في العام الماضي «1349 هجري» ـ بعد انتشار كتابه، ووقوف عدة من علماء النجف عليه- زار «مدينة العلم» وحظي بالتشرُّف بأعتاب «باب تلك المدينة» في الوفد المصري المؤلَّف من زُهاء ثلاثين بين مدرِّس وتلميذ، وزارنا بجماعته، ومكثوا هزيعاً من ليلة من ليالي شهر رمضان في نادينا في مَحْفَلٍ حاشدٍ، فعاتبناه على تلك الهفوات عِتَاباً خفيفاً، وصَفَحْنَا عنه صَفْحاً جميلاً، وأردنا أن نمرَّ عليه كراماً ونقول له سلاماً. وكان أقصى ما عنده من الاعتذار «عدم الإطلاع وقلّة المصادر»!!

* فقلنا:

وهذا أيضاً غير سديد، فإنَّ مَنْ يريد أنْ يكتب عن موضوع يلزم عليه أوّلاً أنْ يستحضر العِدَّة الكافية، ويستقصي الاستقصاء التام، وإلاّ فلا يجوز له الخَوض فيه والتعرّض له، وكيف أصبحتْ مكتبات الشيعة ومنها مكتبتنا المشتمِلة على ما يُناهِز خمسة آلاف مجلّد، أكثرها من كتب علماء السُنّة، وهي في بلدة كالنجف فقيرة من كلّ شيء إلاّ من العلم والصلاح إنْ شاء الله، ومكتبات القاهرة ـ ذات العظمة والشأن ـ خالية من كتب الشيعة إلاّ شيئاً لا يُذكر»[13]  أنتهى كلام سماحة العلامة كاشف الغطاء "قده".

ولعل البعض يعترض على المقارنة بين هذه الحادثة والحادثة الجديدة فقد قام علماء النجف الأشرف بالرد على أحمد أمين ومن قال أن الشيخ حسن الصفار كان مُستمعاً ومُسلماً لكل ما يقال والحق يقال باني لم أنصب نفسي للدفاع عن الشيخ حسن الصفار بل هو ليس في حاجة لدفاعي عنه فشخص تدافع عنه أفعاله أبلغ من أن يحتاج لأقوال ولكنها شهادة حق التزم بذكرها فإذا كان أغلب من علق على قضية الاستضافة دون أن يحضرها أو يستمع لتعليق سماحة الشيخ الصفار على كلام الشيخ سعد البريك فإني حضرت شخصياً ذلك اللقاء الذي كان في منزل الدكتور عبد العزيز قاسم والذي استضاف فيه سماحة الشيخ حسن الصفار وفضيلة الشيخ سعد البريك وفضيلة الشيخ عوض القرني وفضيلة الشيخ محمود آل سيف وجمع من المثقفين وطلبة العلم والذي سبق اللقاء التليفزيوني بين الشيخين والذي جرى على قناة دليل الفضائية وقد أداره الإعلامي الدكتور عبد العزيز قاسم وقد كان اللقاء المنزلي هذا حافلاً بطرح القضايا المختلفة والتي تخص المذهبين ولكن لاحظت أطروحة الشيخ الصفار في كاملها والتي تمثلت بعين على المذهب وعين على الوحدة الإسلامية والوطنية دون تنازل عن مستحب فضلاً عن ركن أو واجب مؤكدا في نفس الوقت على أهمية دعم الوحدة الإسلامية والوطنية والحوار ملتفتاً لكل سؤال أو استفهام فلا يترك الشبهة تمر دون ردها ولا السؤال دون إجابته وقد رأى الجميع ذلك بوضوح بعد ذلك في اللقاء التليفزيوني حتى خرجت بعض المقالات من أقلام إخواننا بعنوان لقد أنتصر الصفار ونحو ذلك من العناوين وقد مرر الشيخ الصفار كل مطالب الطائفة عبر ذلك اللقاء بل كان في الليلة السابقة بنفس القوة من المطالبة بحقوق الطائفة دون إهمال لأهمية الوحدة الوطنية وللحق نرصد ان تلك الزيارات المتكررة من الشيخ الصفار للأخوة الأعزاء الذين عبر عنهم سماحة المرجع الديني السيد السيستاني دام ظله الشريف «لا تقولوا إخواننا أهل السنة بل قولوا أنفسنا أهل السنة»[14]  كان لها من الفوائد التي أن لم يدركها من يعيش في المجتمع الشيعي الكامل فلقد أدركها الشيعة الذين يعيشون في مناطق مشتركة مع إخوانهم الأعزاء أهل السنة والجماعة ولقد كانت وبشهادة جملة من المثقفين والمشايخ الكرام من أهل السنة والجماعة كفيلة بزوال الشائعات وارتفاع كثير من الشبهات كما انه لابد من الإشارة لأهمية زيارة المشايخ والمثقفين من إخواننا أهل السنة للشيعة ومن ضمنها زيارة فضيلة الشيخ سعد البريك وعلى الرغم مما نقل من طعنه إلا أن الزيارة في حد ذاتها تمثل بعداً آخر وجانباً مهماً من التقارب المنشود على الأقل من وجهة نظر شيعة المناطق الأخرى ونظرتهم لهذه الزيارة، وحتى لا يكون في هذه العبارة أو غيرها مجالاً للتفسير الهجومي فإن ذلك ليس تبريراً أو قبولاً بالهجوم على الطائفة في عقر دارها أو في غيرها فنحن كما لا نقبل الهجوم على إخواننا أهل السنة والجماعة والطعن فيهم وندافع عنهم دفاعنا عن أنفسنا فإننا لا نقبل من إخوة لنا أن يهاجموننا أو يطعنوا في عقائدنا ولكننا نقول وبناء على التجربة أن جملة من الذين قد كانت لهم كلمة هنا وتصريح هناك حول المذهب الشيعي بنحو الإساءة قد تغيرت مواقفهم وأصبحت كلماتهم هذه ليست سوى أرشيف يستعين به من يريد تأجيج الفتن ثم إن هذا الكم الهائل من الروايات الشريفة التي بينت موقف النبي وأهل بيته الكرام الاستيعابي الكريم تجاه المخالف الذي وصل إلى درجة الاعتداء عليهم بالسباب والشتائم تارة وبالتصفية الجسدية تارة أخرى فكيف بفضيلة الشيخ سعد البريك الذي حمل شبهات في عقيدة الشيعة وطرحها بأسلوب الطعن ولكنه لم يسب الائمة ويدين الله تعالى بحب أهل البيت وصرح بذلك مراراً وتكراراً عند اللقاء به وفي بعض خطبه أمام حشد من مريديه وجمهور المسلمين «ولقد التقى ائمتنا بكثير ممن كانوا يطعنون بالمذهب لشبهة وغيرها وردوها رداً جميلاً»ولقد أبدى تفاعلاً كبيراً لقضيتين تمثلت الأولى في استماعه لإجابات سماحة الشيخ حسن الصفار على تساؤلاته واستفهاماته حول المذهب الشيعي والثانية تفاعله حتى مع مطالب الطائفة من حيث موقعه الاستشاري في الديوان الملكي ولقد أصبح بسبب هذه الزيارة ولقاء شبكة سبق معه حول الزيارة خارجاً عن مذهبه حسب رأي بعض المشايخ من مذهبه ويكتبون بعد ذكر اسمه «رده الله إلى جادة السنة والسلف» فأقرأ أن شئت مقالة «هل ترك الشيخ سعد البريك مذهب السلف وانتحل مذهب الأشاعرة؟!» والمقالة موجودة في مجموعة الدكتور عبد العزيز قاسم البريدية؟! ومع ذلك كله نرفض الطعن والتهجم بالتصريح والتلميح ولكن حتى لا يتم استغلال الموقف لضرب المشروع الحواري والتقارب برفع الشبهات ووصف الزيارات المتبادلة لأجل التقارب بزيارات الموائد والمجاملات فلنعلم أن من نتائج هذه اللقاءات التي قربت وجهات النظر وغيرت الكثير ممن كان يذهب لاتجاه تبديعنا وتفسيقنا أن جعلت الكثير من إخواننا الأعزاء يأخذون بزمام المبادرة في الدفاع عنا وهذا مشهود في أكثر من واقعة ولعل ما جرى على السيد السيستاني دام ظله من كلام لا يليق أكبر شاهد على ذلك وإذا كان المجتمع الشيعي المتكامل لا يشعر به فعلى الأقل هو موضع استشعار عند غيرهم ممن يجاورون الأخوة أهل السنة البيت جنب البيت ولذا فان على الحوار الشيعي- الشيعي ان يجعل تلك الروايات الشريفة التي صدرت عن ائمة أهل البيت نصب عينيه وموضع الاعتبار معتبراً ان الحوار مع الآخرين بكل احترام هو منطلق ديني وطني ان لم يستشعر البعض فوائده فلقد جنى غيرهم ولو القليل من ثماره وان الخطاب الذي يتجاوز الحد الطبيعي ليصل إلى حدود الطعن مرفوض من كافة الجهات فلا نحرمه على غيرنا ونقبله من طرفنا كما أن من تجاوز مرة أو أخرى فليس هذا منتهى الطريق ونهاية الأمر فكم من بعيد أقترب وكم من مشتبه في علم كان التواصل كفيل في رفع الاشتباه ومن أراد البقاء على رأيه بعد إقامة الحجة والبرهان فأخلاق مدرسة أهل البيت سوف تستوعبه وان لم يستوعبنا كما انه لابد للحوار الشيعي - الشيعي من احترام تام لوجهة النظر المختلفة داخل البيت الشيعي والتي يراد منها النقد البناء لا تسقيط الشخصيات وإشاعة أجواء الفتنة واحترام انتشار النقد البناء وبالتالي فإن حتى البيانات ستكون ظاهرة صحية تجسد اختلاف الرأي مع عدم فساد الود وهو كاختلاف أساليب العمل مع وحدة الهدف وستكون سداً منيعاً لأي تفسير أو تحليل يراد منه صب الزيت على النار أو مجاهيل لا تستحق الذكر حتى لا تأخذ بذكرها حيزاً في البعد العقلائي للتعامل الإنساني فضلاً عن الديني وأما شخص سماحة الشيخ الصفار فلنترك أفعاله تدافع عنه ولنترك مشاريعه والتي يستعجل الناس ثمارها أن تنمو لأنها خرجت من حيز التنظير إلى واقع التفعيل والشاهد عليه لا على مستوى المدينة الواحدة بقدر ما هو على المستوى الوطني أما الوحدة الوطنية فلا تعارض البتة بينها وبين المذهب فالدعوة للوحدة الوطنية مطلب رئيس بعيد كل البعد عن التنازل عن الثوابت وهي ليست سوى تقارب بين المذاهب ضمن وحدة فيما اتفقوا فيه وعذرهم لبعضهم فيما اختلفوا فيه تحت ظل شهادة التوحيد وعلى أرض ضمت الحرمين الشريفين فاتسعت لكل المذاهب وأتباعها فلتتسع لكل مواطن ليعيش ضمن مذهبه وثوابته مخلصاً لوطنه وأمته.

[1]  سورة القلم آية4.
[2]  صحيح الجامع ح 1578.
[3]  الخصال: 29.
[4]  سنن البيهقي 13/440.
[5]  سورة الحجرات آية 13.
[6]  الطبقات الكبرى: 2 / 37 ـ 138.
[7]  مجالس الشيخ المفيد.
[8]  وسائل‏ الشيعة ج: 20 ص: 106 ح 25156 عن نهج‏ البلاغة ص: 550.
[9]  نهج البلاغة: الكتاب 23.
[10]  البحار مجلد 9 ص95.
[11]  تاريخ الطبري، ج 5، ص 485 482.
[12]  بحار الأنوار، ج72، ص114،ح3.
[13]  أصل الشيعة وأصوله للعلامة كاشف الغطاء ص 140.
[14]  خطاب لسماحة المرجع الديني السيد السيستاني دام ظله في الدعوة للوحدة الإسلامية.
جدة