الشيخ الصفار... وتجديد الخطاب

زيارة سماحة الشيخ حسن الصفار هذه المرّة للكويت كانت ذات طعم ونكهة مختلفة نوعاً ما عن سابقاتها، ليس لأنه أتى بجديد، بل لأن ما أتى به سابقاً بات يتجسد أمامن كنموذج حل عملي أقرب إلى الواقع للكثير من القضايا التي تشهدها الساحة الساخنة اليوم، خصوصاً بعد التوتر الذي شهدته العلاقة بين جماعة الدعوة السلف وأتباع المذهب الشيعي أخيراً، والحاجة الماسة إلى الاستماع إلى رأي العلماء الشيعة في المملكة العربية السعودية من إثارات العريفي وما لحقها من تداعيات سلبية طالت الدول المجاورة عموماً، والكويت تحديداً.

قديم الشيخ الصفار هو إصراره على أن الحوار المسؤول والهادف بين كبار علماء السلف والشيعة من شأنه أن يؤدي إلى انفتاح إيجابي نتيجة لفهم مشترك وإزالة رواسب قد تكون عالقة بين الطرفين من دون أساس واقعي أو سند شرعي، وأيضاً فيه بناء لجسور المودة والتآلف، وتشخيص دقيق لحال كل منهما يمكن أن يعين أي طرف على التعاطي مع الطرف الآخر ضمن إيقاع عقدي مقبول ولا يؤدي إلى ما نراه اليوم من تشنجات وغير ذلك. وبالطبع هذا الحوار الذي ينادي به الشيخ الصفار - وللأسف الشديد - يسير بين فئة قليلة من علماء الطرفين مسير السلحفاة ولا يمكن التعويل عليه مادام يعاني من التهميش ومادام مركوناً في ذيل قائمة سلم أولويات العلماء، ومادام يعيش أسيراً تحت رحمة التقلبات الاجتماعية والسياسية في المنطقة.

أما جديد الشيخ الصفار في زيارته الأخيرة للكويت، فهو في ما نراه اليوم بأم أعيننا من سوء حال في العلاقة بين السلف والشيعة لا يحمد عقباه، هذا الحال الذي أثبت صحّة ما ذهب إليه الشيخ من تشخيص وعلاج بالأمس. وما التشنج والتوتر بين السلف والشيعة إلا نتيجة طبيعية لغياب الحوار بين قادة القرار العقدي فيهما، وبالتالي لابد اليوم من التفكير الجدي بضرورة تأصيل حراك جديد باتجاه توفير مقومة الاجتماع على طاولة مستديرة تطرح الأمور كلها عليها بلغة المصلحة العامة للإسلام والمسلمين، خصوصاً أن السلف والشيعة يعيشون اليوم على أرض واحدة هي الخليج ومعنيون جميعاً بتعميرها وتطويرها على أحسن وجه، ولا يمكن أن يتأتى ذلك ما لم يجتمع كلا الطرفين على كلمة سواء من شأنها أن توحد ولا تفرق وأن تجمع ولا تمزق.

يقول الشيخ الصفار إن للسلف مطلباً أساسياً هو أن يكف بعض الشيعة عن الإساءة إلى رموزهم ومقدساتهم من سب وقذف ولعن، وللشيعة مطلب أساسي أيضاً هو أن يعترف علماء السلف بالمذهب الشيعي مذهباً من مذاهب المسلمين، كما اعترف غيرهم من علماء أهل السنة والجماعة، وتلك المعادلة لا يمكن معالجتها من خلال عامة الناس، بل لابد أن تأخذ حيزاً كبيراً من اهتمامات علماء الأمة سلفاً وشيعة أولاً كمدخل لاجتماعهم على حوار هادئ ومسؤول يمكن من خلاله معالجة الخروج بنتائج، بالتأكيد، سيكون لها مردود إيجابي على الجميع، فالخير كله في اجتماع العلماء والشر كله حين يُترك الأمر للموتورين في الساحة الاجتماعية من العامة ذوات المصالح الدنيوية الضيقة.

والحوار اليوم مطلب أساس، وما دونه يبقى تفصيلا وهوامش، بل بالحوار يمكن أن يذوّب الكثير من الاختلافات لمصلحة الأمة الواحدة الموحدة. لقد صدق الشيخ حسن الصفار حين قال إن بعض الشيعة عليهم اليوم أن يعلنوا صراحة نبذهم لغة السب واللعن والشتم لرموز ومقدسات الآخرين، وعلى بعض السلف أن يعلنوا صراحة براءتهم من تكفير أتباع المذهب الشيعي. إنه خطاب رائد ومسؤول، ولكن يحتاج إلى لغة رديفة معلنة من الطرف الآخر كي تتوافر مقومة الحوار.

الخميس 4 فبراير 2010 - العدد 11175
أكاديمي كويتي