تقديم لكتاب (السيد علي السلمان سيرة ومسيرة) للكاتب علي المحمد علي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين

تتنوع وتتعدد تجليات الدور القيادي لعالم الدين في المجتمع، فمن مهمة البحث العلمي لاستجلاء مفاهيم الإسلام وتشريعاته، بالدراسة والتدريس والتأليف، إلى وظيفة التبليغ والتبيين لمعارف الدين وأحكامه، عبر الخطابة والكتابة، إلى القيام بأعباء الشؤون الدينية الاجتماعية من إمامة الجمعة والجماعة، والقضاء بين الناس، وإجراء عقود الزواج والطلاق، وصولاً إلى التصدي السياسي بالدفاع عن قضايا الدين والأمة.

وقد تتوفر الفرصة لبعض علماء الدين بالقيام بكل هذه الأدوار أو معظمها، حين يمتلك القدرات والمواهب المتعددة، وتساعده الأوضاع والظروف على التصدي المطلوب.

كما قد يتجه عالم الدين، ويركز جهوده على دور محدد، يناسب قدراته، أو يرى أولويته.

لكن الدور الأساس والاهم لعالم الدين، هو دور الرعاية والأبوّة للمجتمع، حيث تلتقي عليه القلوب والنفوس ثقة به ومحبة له، وينهل الجميع من فيض حبه وعطفه، ويكون مصدر نصح وتوجيه لأبناء المجتمع، يسترشدون برأيه في قضاياهم، ويرجعون إليه في مشاكلهم، يحترم الكبير، ويحنو على الصغير، ويساعد المحتاج والفقير، ويصلح ذات البين، ويشجّع الكفاءات، ويحث على عمل الخير وخدمة التكافل الاجتماعي.

إن هذا الدور الأبويّ لعالم الدين يملأ فراغاً روحياً كبيراً في المجتمع، ويعزز الشعور بالانتماء إليه، ويخلق درجة عالية من التماسك والتضامن، تساعد على مواجهة التحديات، والصمود أمام المشاكل والأزمات.

ولا يستطيع تبوأ مقام الأبوّة في المجتمع من العلماء، إلا من توفرت في شخصيته عدد من المواهب والصفات، من أبرزها:

أولاً: الوعي الاجتماعي وسعة الأفق

 ليفهم طبيعة المجتمع، والظروف المحيطة به، والتوجهات الفكرية والثقافية في وسط أبنائه. بما يمكّنه من اتخاذ المواقف الصالحة، وإنتاج الخطاب الديني المناسب، والمساهمة في وضع المعالجات والحلول للقضايا الفكرية والاجتماعية.

وقد ورد عن الإمام الصادق أنه قال: «العالم بزمانه ـ بأهل زمانه ـ لا تهجم عليه اللوابس»[2] .

ثانياً: رحابة الصدر وحسن الخلق

فأفراد المجتمع يتفاوتون في مستوياتهم وطباعهم وتوجهاتهم، لذلك يحتاج التعامل مع الناس إلى صبر وأناة، وتحمّل واستيعاب.

ولن يمنح الناس حبهم وثقتهم إلا لمن يحترمهم ويخلص لهم، ويرون في سلوكه الصدق والالتزام.

ثالثاً: الإدارة والتدبير

 ففي المجتمع طاقات وكفاءات، وإمكانات وثروات، وهناك فرص ومجالات عمل لصالح الدين والمجتمع، كما أن هناك قضايا ومشاكل تتطلب المعالجة والحلّ، ومن يتصدى لقيادة المجتمع يحتاج إلى ذهنية إدارية، وقدرة على التخطيط والتدبير، لتحديد الأولويات، حتى يستفيد من كل كفاءة في مجالها، ويضع الإمكانات في مورد الحاجة لها.

حين تتوفر مثل هذه الصفات في شخصية عالم الدين، فإنه يتبوأ موقع الأبوة والرعاية للمجتمع، وهذا ما تحقق في شخصية الأستاذ العلامة السيد علي السيد ناصر السلمان حفظه الله.

 والذي هو بحق أفضل أنموذج وقدوة في مجتمع المنطقة لممارسة هذا الدور الكبير.

فهو يؤم الناس في صلاة الجماعة، ويلقي فيهم الخطب والمحاضرات، ويرشدهم في رحلة الحج كل عام لأداء مناسك حجهم، وهو معتمد المرجعية الدينية، ومجلسه مفتوح للناس كل يوم، ويشارك الناس في الأفراح والأتراح، ويتواصل مع مسؤولي الدولة في المناسبات، ويحضر كل اجتماع يدعى إليه لمناقشة شأن عام، وهو الراعي والمشرف على الحوزة العلمية في الأحساء، يدعم تأسيس المساجد والحسينيات والمؤسسات الدينية والثقافية والاجتماعية، ويسعى لإصلاح ذات البين، ويحمل هموم المجتمع، وبثباته وهمته تأسّس وتعزّز كيان المواطنين الشيعة في منطقة الدمام.

وإلى جانب تضلعه في علوم الشريعة، حيث حضر أبحاث كبار المجتهدين في الفقه والأصول كالسيد محسن الحكيم، والسيد أبو القاسم الخوئي، والشهيد السيد محمد باقر الصدر، فإنه مواكب للثقافة المعاصرة،ومتابع للأحداث العالمية، منفتح على كل التوجهات، لا يقبل التشدد والتزمّت، ولا يرضى بالانغلاق والانزواء.

تتسم مواقفه بالموضوعية والاتزان، تجاه مختلف المشاكل السياسية الفكرية والاجتماعية، فلا ينفعل ولا ينهزم.

حقا إن وجوده نعمة كبيرة على مجتمع المؤمنين في المنطقة.

لكل ذلك كسب القلوب وجذب النفوس، والتف حوله المجتمع، واحتل موقع الأبوّة والزعامة، صان الله مهجته، وأطال عمره، وأدام تأييده.

واشكر للأخ الكريم الشاب النبيل الأستاذ علي المحمد علي إعداده لهذه الترجمة الموجزة لسماحة السيد الأستاذ، راجياً له المزيد من التوفيق في خدمة الثقافة والمجتمع، فهو شاب عاشق للمعرفة، من نعومة أظفاره، يلازم العلماء، ويتواصل مع الأدباء، كثر الله من أمثاله وشكر الله سعيه، وأثابه على جهوده الطيبة.

والحمد لله ربّ العالمين.

حسن بن موسى الصفار                 
القطيف 16 جمادى الآخرة 1430هـ          
8 حزيران 2009م                    

* صدر الكتاب في طبعته الأولى 2010م ـ 1431هـ عن مطابع العلوم الأدبية بيروت ـ لبنان.
[2]  محمد بن يعقوب الكليني. الكافي ج1، الطبعةالأولى1405هـ،( بيروت: دار الأضواء)، ص27.