تقديم كتاب «أَضواء على مناهج التفسير»

مكتب الشيخ حسن الصفار

الكتاب: أضواء على مناهج التفسير
المؤلف: علي الصيود
دار النشر:  الطبعة الأولى 1412هـ، دار البيان العربي- بيروت

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين.

مَن أولى مِن الحوزات العلمية الدينية بالاهتمام بالقرآن الحكيم والتدبر في آياته واستجلاء حقائقه وتعاليمه؟

فروّاد الحوزات العلمية يفترض فيهم أن يكونوا الأكثر التزاماً بالدين فكراً وسلوكاً وعملاً وهذا لا يتأتى إلا بالتتلمذ على القرآن .

ويتوقع من أبناء الحوزات الدينية ممارسة دور القيادة والتوجيه والإرشاد لجماهير الأمة ومجتمعاتها، ولا يمكنهم ذلك إلا إذا نهلوا من مورد القرآن، واستلهموا روحه، وتشبعوا برؤاه، واستوعبوا مفاهيمه.

وإذا أهمل القرآن الكريم في الحوزات العلمية أو ضعف الاهتمام به فإن ذلك يعني حدوث انفصام عميق في شخصية الأمة وابتعاد كبير في واقعها عن خط الإسلام.

ويؤسفنا جداً أن نقول أنَّ ذلك هو ما حصل في الفترة السالفة القريبة من تاريخنا المعاصر، وهو الذي أورثنا هذه التركة الثقيلة من التخلف والانحطاط.

ففي حوزتنا العلمية الدينية كان الاهتمام الدراسي منصبّاً على المواد العلمية والأدبية كاللغة والمنطق والأصول والفقه، أما القرآن الحكيم فليس مقرراً ولا متعارفاً كمادة للدراسة أو محور للبحث والاهتمام، ولأن استنباط المسائل الفقهية يستلزم الرجوع إلى أدلتها من القرآن فقد حدّدوا موارد تلك الحاجة وهي حوالي الخمسمائة آية من أصل (6666) آية، وأصبحت تلك الخمسمائة آية هي المساحة المحدودة التي يهتم الفقهاء بدراستها ضمن عملية الاستنباط وتُعرف بآيات الأحكام، وكتبت البحوث والدراسات المتخصصة في تلك الآيات فقط وحول جانب الدلالة على الحكم فيها وقد أشار إلى ذلك الشهيد الثاني (قدس سره) في شرح اللمعة (والمعتبر من القرآن الكريم معرفة ما يتعلق بالأحكام وهو نحو خمسمائة آية، إما بحفظها، أو فهم مقتضاها ليرجع إليها متى شاء، ويتوقف على معرفة الناسخ منها من المنسوخ، ولو بالرجوع إلى أصل يشتمل عليه)[1] .

أما الجوانب الأخرى من القرآن الحكيم كالجانب العقائدي والرؤية التاريخية والبصيرة الحياتية والأنظمة الاجتماعية فلا يرى طالب العلم الديني – ضمن ذلك التوجه- داعياً لصرف الوقت والجهد من أجل دراستها، بل هي ضمن دائرة الاهتمام الشخصي والرغبة الذاتية، وليس كبرنامج ومنهج أساس في أوساط الحوزات العلمية.

وقد تنبه لهذا الخلل الكبير بعض العلماء الواعين وصاروا يبشرون ويدعون إلى ضرورة الاهتمام بدراسة القرآن في الحوزات العلمية وفي طليعتهم كان المرحوم العلّامة الطباطبائي صاحب تفسير الميزان المعروف، وقد ترك في أجواء الحوزة العلمية في قم المقدسة تأثيراً ايجابياً كبيراً بهذا الاتجاه.

وكان من تجلياته الجهد المشكور في تدارس القرآن وتفسيره الذي قام به آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي مع ثلة من تلامذته الفضلاء.

وفي الحوزة العلمية في النجف الأشرف سعى آية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر أواخر حياته لتركيز موضوع الاهتمام بدراسة القرآن وبدأ فعلاً بإلقاء دروس ومحاضرات أسبوعية لكنّ القدر لم يمهله حيث فاز بالشهادة على أيدي الظلمة الحاكمين في العراق بعد أن ألقى أربعة عشر درساً بداية سنة 1399هـ[2] .

ومن العلماء المهتمين جداً بهذا الأمر أستاذنا آية الله السيد محمد تقي المدرسي والذي بادر لوضع منهج للتدبّر في القرآن ورعى تجربة رائدة في الحوزات العلمية التي أسّسها في مختلف البقاع لدراسة القرآن كمقرّر من مقرّرات الدراسة الحوزوية.

ومؤلف هذا الكتاب هو واحد من أولئك الطلاب الذين تفاعلوا مع هذا التوجه القرآني، حيث تفاعل الشوق في نفسه والعشق لمعارف القرآن، فالتزم بتدريس الطلاب الجدد مادة التدبّر والتفسير، وألف مطالعة كتب التفاسير، فتجمعت لديه الملاحظات والآراء على مناهج وأساليب تفسير القرآن الحكيم دوّنها في هذا الكتاب الجميل.

وقد عرفت المؤلف منذ نعومة أظفاره طالباً مجداً في دراسته، ثم خطيباً بارعاً في المجالس الجماهيرية، وهو الآن يكشف لنا عن كفاءةٍ أخرى في شخصيته في مجال الكتابة والتأليف.

أرجو أن يكون كتابه هذا مقدمة وباكورة لسيل من الكتابات والمؤلفات العميقة النافعة.

وآمل أن يواصل سيره العلمي في رحاب القرآن الحكيم ليكون متضلعاً ومتخصصاً في هذا المجال، بأن يستمر في تدريس القرآن الحكيم، والبحث في معارفه وحقائقه، من خلال الكتابة والخطابة.

وأسأل الله له التوفيق والتقدم وأن يكون قدوة صالحة لأبناء الحوزات العلمية وللمجتمع بشكل عام.

وحمداً لله تعالى أن أرانا هذه الثمرات اليانعة والكفاءات المخلصة في بلادنا ومجتمعنا.

 

حسن الصفار  
20/10/1411م

[1]  الشهيد الثاني: شرح اللمعة/ ج3 ص 63-64.
[2]  الشهيد الصدر: المدرسة القرآنية.