طمئن غيرك تبق قويا


 
الخوف والاضطراب والقلق أهم ما يميز إنسان عصر الفضاء والعلم والتكنولوجيا، خصوصا حين يشعر أن قوة الآخرين تكبر وتتعاظم أمام عينيه، وأن إمكانات التصرف المضرة به وبوضعه محتملة وواردة.

قد لا يكون السكوت وعدم التهديد مع عدم تساوي القوى والإمكانات مبددا لتلك المخاوف، بل قد يشكل نوعا من الغموض الذي يعززها ويحركها من وقت لآخر، ويدفعها لمزيد من التمترس لتصبح دوافع حقيقية نحو الأخطاء والحماقات الناتجة من القلق وسوء الظن.

قد نلحظ كمية كبيرة من الأحاديث والروايات المأثورة التي تتحدث، وتحث على القوة، وتراها ميزة متقدمة للشخصية المؤمنة بالله، كما في الحديث الشريف «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، لكن وإلى جانبها هناك الكثير من التعاليم الدينية التي تبعث على أن ترفق هذه القوة والقدرة برسائل دافئة من التطمين والسكينة لتزرع في قلوب الآخرين، فتولد لهم حبا وفخرا وعزا بالقوي، وتستبدل بذلك دواعي الخشية والحذر والريبة.

ليس هذا الكلام سياسيا ولا عسكريا أو أمنيا وإن كان يصدق على كل شيء فالقيم الأخلاقية قيم عامة، والطمأنينة مطلب إنساني لا يتجزأ، مع ذلك أحب أن أعطف على الجانب الاجتماعي والأسري الذي نعيش تفاصيله قريبة منا يوميا بل لحظيا.

فلدينا زوجاتنا وأولادنا وآباؤنا الذين قد يمتد بهم العمر فيحتاجون إلينا، ويوجد في أغلب البيوت في بلادنا خدم وخادمات فقراء ومساكين يعملون من أجل تحصيل قوتهم وقوت عيالهم القاطنين (الله وحده أعلم في أي ظرف وحال) في آخر العالم.

لقد سعى الدين ومن زاوية إنسانية خالصة أن يحفز الإنسان على أن يبدع ويحرص على أن يكون مطمئنا للضعفاء من حوله، ولك عزيزي القارئ روايات تجدها في مضانها وبألفاظ متعددة وهي تشير إلى بعض نقاط الضعف التي يجب أن تحظى بقدر كبير من الاطمئنان والهدوء والاستقرار، كل ذلك خوفا من أن يتعامل معها الناس دون ملاحظتها عن غيرها، فتجد في الأثر روايات مثل «الله الله في الضعيفين المرأة والعبد» وأخرى تقول «اتقوا الله في الضعيفين المرأة واليتيم» وفي ثالثة «ارحموا الضعيفين المرأة واليتيم» وفي رابعة «اتقوا الله في الضعيفين المرأة والطفل».

وتذهب التعاليم الدينية أبعد من ذلك، فلا تكتفي بالقول والكلام بل تدفع لأن يرتقي الإنسان إلى ما هو أعلى في ضخ الرسائل التطمينية، كأن يشارك لسانه وأقواله ببعض التصرفات التي تؤكد بحد ذاتها نوعا واعيا من الثقة الراسخة والهدوء المستقر في نفس متلقيها.

ينقل لنا التاريخ أن رجلا دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فرآه يقبل حفيده الطفل «الحسين» فتعجب لذلك وقال للرسول «والله إن لدي عشرة من الأطفال لم أقبل أحدا منهم قط» فرد عليه رسول الله ردا شديد اللهجة قائلا: «وماذا أفعل وقد نزعت الرحمة من قلوبكم من لا يرحم لا يرحم... ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».

وتحدثنا بعض الروايات الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم انه قال «قول الرجل لزوجته إني أحبك لا يذهب من قلبها أبداً» لأنها رسالة تطمين غالية الثمن عند الزوجة، كما أنها تحمل في مضامينها حماية صعبة الاختراق ليس صعبا على المرأة إدراكها.

إنها التصرف الحكيم مقابل مجموعة من التصرفات والرسائل القاسية التي يوجهها بعض الأزواج لزوجاتهم، والتي تحمل معاني الكره والإقصاء والتهديد بالطلاق والحرمان من العاطفة.

وفي قصة جميلة تتناقل في تراثنا الديني، وتستدعي التأمل في الكم والوافر من الرسائل الهادئة والمطمئنة التي تلقاها قنبر خادم الإمام علي كرم الله وجهه، حتى أنه استفاد منها ما بلغ به أن يتأخر عن نداء الإمام له لثلاث مرات، وحين سأله الإمام علي لم لا تجيبني قال الخادم قنبر بلغة الواثق الهادئ لأنني أمنت عقابك، وأنتظر إحسانك، فرد عليه الإمام اذهب فأنت حر لوجه الله.

علينا أن ننظر من حولنا في الدوائر الضيقة والعائلية وفي الدوائر الواسعة كمجتمعنا الذي نعيش فيه وأن نتعلم إرسال رسائل التطمين والمحبة، كي نكون مجتمعا واحدا وقلبا واحدا وعائلة واحدة لا يعترى أفرادها الخوف ولا القلق.

msaffar45@hotmail.com

السبت 9/2/1429هـ الموافق 16/2/2008م - العدد 12664